مقال صادر في ملحق شرفات بجريدة عمان 15.11.2016
زاهر الهنائي –اسم هانز فير Hans Wehr (1909-1981) لا يغيب عن ذهن كل دارس للغة العربية من الأجانب، هذا المستشرق الألماني الذي خلد اسمه بعمله العظيم معجم اللغة العربية المعاصرة. هذا المعجم الذي أصبح عمدة في مصادر تعلم العربية لغير الناطقين بها ولا غنى لأي مستعرب عنه. ولكن ظروف نشأة هذا العمل الخالد ربما تكون غائبة ولم ينتبه لها كشأن الأعمال الخالدة التي لا تموت بعد أن ولدت من رحم المشاق، يذكر العمل وتنسى ظروف النشأة. هناك إشارات عن العمل أوردها عبد الرحمن بدوي في كتابه الرائع «موسوعة المستشرقين»، ولكنه لم يتطرق لأصول نشأة هذا السفر الكبير، التي تظهر كيف وصل إلينا المعجم رغم ما أحاط بنشأته من ظروف كادت تفنيه ولا تبقي له أثرا، ولكن عزيمة فير ومضاءه كانت أشد وأبقى، فكتب لعمله العظيم الخلود! تذكر المصادر الألمانية ظروف هذه النشأة ومراحل المشروع حتى طباعته. ومنها استمد هنا هذه المعلومات لأقدمها للقارئ ليستبين له ويتضح شأن هذا السفر وما أحاط به من ظروف النشأة.
يرتبط اسم فير في علوم العربية على مستوى العالم الناطق بالألمانية وخارجه بمعجمه الذي كانت أصول نشأته في مدينة «غرايفسفالت» في الشمال الأقصى من ألمانيا، وكانت هناك بعض المبادرات الفردية لعمل معجم عربي ألماني، وكان آخرها لدى دار أوتو هارسوفيتز. وعندما كان هناك توجه في وزارة الخارجية الألمانية إلى ترجمة كتاب هتلر «كفاحي» إلى العربية وأدركت حاجتها إلى معجم في اللغة العربية المعاصرة لتسهيل مهمة الترجمة، وعرفت بدعوات بعض الباحثين إلى تأليف معجم عربي ألماني ومنها مقال هانز فير في مجلة الإسلاميات الذي في العدد السادس من المجلة سنة 1934، دعا فيه إلى هذا المشروع، أوكلت وزارة الخارجية إلى دار هاراسوفيتز إنجاز هذا المشروع ووفرت لها كامل الدعم. اختارت الدار المستشرق هانز فير لهذا المشروع وإدارته لكفاءته واهتمامه بهذا المجال المتجلي في أطروحته للدكتوراة التي نشرها في برلين سنة 1934 وكانت بعنوان «خصائص اللغة العربية الفصيحة المعاصرة وتأثير اللغات الأوروبية عليها. واختير لمعاونة هانز في مشروعه كل من الدكتور أندرياس ياكوبي الذي كان حينها، على ما يبدو، «نصف آري» مستبعدا من الخدمة في السلك الحكومي ورأى في الاشتراك في المشروع ملاذا له، كما كان أحد معاونيه هاينريك بيكر المقيم في مدينة هلّه. لم يستمر الدكتور ياكوبي في المشروع عندما حصل على اعتراف بآريته سنة 1934 نتيجة مجهودات والده التي بذلها في تحقيق ذلك، وبذلك التحق بالخدمة العسكرية، أما المعاون الآخر المستشار هاينريك بيكر الذي كان معتقلا في أحد معسكرات الاعتقال النازية بسبب علاقته بجناح شتراسر النازي، وكان تحت رقابة الشرطة السرية النازية فخشي من الاعتقال مرة أخرى فقرر سنة 1942 التسجيل في الخدمة العسكرية. طالب فير نهاية سنة 1942 الشرطة السرية النازية أن تسمح للمستعربة الألمانية اليهودية هيدفيك كلاين أن تساعده في المعجم بسبب ظروف الحرب، بحيث تستثنى مؤقتا من الترحيل إلى المعسكر النازي في تيريزينشتات في التشيك. عملت معه في المشروع في هامبورج ولكن تم ترحيلها في يوليو من عام 1942 إلى معسكر أوشفيتز النازي في بولندا.
قدم هانز طلبا للالتحاق بالحزب النازي نهاية 1940 بضغط من رئيس هيئة التدريس بجامعة غايفسفالت الذي أوضح له أن المدرسين الشباب مطلوب منهم أن يكونوا أعضاء في الحزب النازي NSDAP وكتيبة العاصفة SA. كانت مخطوطة المعجم التي عمل عليها هانز مع زميله الدكتور ياكوبي لم تصف حروفها وتنضد إلا في سنة 1944. كما تمكن هانز من حماية النسخة «البروفه» الكاملة من المعجم في الأشهر الأخيرة من الحرب عندما أرسلها في ربيع سنة 1945 إلى مكتبة الجمعية الشرقية DMG في مدينة هلّه. وعندما تم تسليمه المخطوطة مرة أخرى في ربيع سنة 1947 قام بتقويم ومعالجة النصوص العربية مرة ثانية، فقد ظن أن عليه أن يعيد رصف المعجم بشكل جديد؛ لأنه نمى إلى علمه أن المطبعة تم قصفها وقضي على رصف الحروف وتنضيدها. ولكنه لم يعلم إلا في عام 1948 أن رصف الحروف ما زال سليما ولم يلحقه ضرر فاستعجل في إدخال الإضافات التي عملها إلى طبعة المعجم. ولكن ظروف ألمانيا بعد الحرب من إجراءات التصريح المعقدة وشحّ الأوراق أخرت طباعة المعجم، فلم تظهر الطبعة الأولى منه إلا عام 1952 وكانت بعنوان «المعجم العربي للغة الكتابة العربية المعاصرة». واصل هانز فير بعد ذلك عمله في جمع المادة عن طريق الاستعانة بمستخدمي المعجم الذين أمدوه بالتحديث اللغوي بما يصادفونه في أعمالهم وفي قراءاتهم، مما لم يسجله فير في معجمه المطبوع. ونتيجة لذلك صدر ملحق مستقل سنة 1959، وقد تم إدراج ما تضمنه هذا الملحق بعد وفاته في الطبعة الخامسة من المعجم وذلك سنة 1985.
كانت الجودة التي حققها المعجم من خلال اعتماده على المصادر الأساسية سببا في الاهتمام به من خارج الفضاء الناطق بالألمانية، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تمت طباعة ترجمة للمعجم إلى اللغة الإنجليزية عن طريقJ. Milton Cowan،نشرت سنة 1961، وأدرج ما ورد في الملحق إليها. وفي عام 1976 تمت طباعة نسخة مصغرة منه وعرفت بـ «the green Wehr» بسبب لون غلافها الأخضر. وظهرت الطبعة الإنجليزية الرابعة منقحة ومزيدة سنة 1979.
يشار إلى أن المستشرق هانز فير له إسهامات بحثية مهمة في الدراسات العربية، وقد قامت مجلة اللسانيات العربية Zeitschrift für arabische Linguistik، التي تصدرها جامعة هايدلبرج، في عددها الثامن سنة 1982، بنشر قائمة بجميع أعماله.
المصادر:
– موسوعة المستشرقين، عبد الرحمن بدوي، دار العلم للملايين، بيروت، ط3، 1993
– im Katalog der Deutschen Nationalbibliothek Literatur von und über Hans Wehr
– Zeitschrift für arabische Linguistik, Heft 8, 1982, S. 7-11
-https://de.wikipedia.org/wiki/Hans_Wehr