أكتب لكم هنا السؤالين اللذين وجهتهما للشيخ الخليلي حول الفعل أثرى ولفظة (مطار) وجوابه عليهما، وقد أرفقت ذلك في التدوينة السابقة...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد:
فقد تفضلتم ــ سماحتكم ــ وقلتم في محاضرتكم التي تحدثتم فيها عن الأخطاء الشائعة في العربية إن استعمال أثرى متعديا خطأ، وبينتم أن الهمزة فيه ليست للتعدية وإنما هي همزة الصيرورة والدخول في الشيء وفاقا لما ورد عن العرب في استعمالهم، لكن أقول متعلما أليس من وجه أن تكون الهمزة للتعدية في استعمال، وللصيرورة في استعمال آخر، فقد جاء في المعجمات العربية: ثري الرجل أي كثر ماله فعلا ثلاثيا قاصرا، فما الضير أن نستعمل همزة التعدية لتعدية الفعل الثلاثي هذا قياسا على الأفعال الثلاثية الأخرى، أو بعبارة أخرى ما السبيل إلى تعدية الفعل ثري؟
وقد ذكرتم ــ سماحتكم ــ في موضع آخر من المحاضرة أن استعمال (مطار) بهذه الصيغة اسما للمكان من الأخطاء الشائعة المعاصرة، بيد أننا إذا رجعنا إلى لسان العرب أو غيره من المعجمات وجدنا قوله: "والمطار موضع الطيران"، فما راي سماحة الشيخ في ذلك خدمة للعربية وعاء القرآن الكريم؟
الجواب: الهمزة في أثرى كالهمزة في أيسر وأعسر وأمول وأمشى أي صار ذا يسر أو ذا عسر أو ذا مال أو ذا ماشية فلا يحمل شيء منها على التعدية لأن التعدية في مواد الأفعال لها صيغ تدل عليها والهمزة وإن كانت للتعدية غالبا إلا أنها تكون دالة على التعدية دائما ولربما كان الفعل المحدد دالا على التعدية فإن دخلت عليه الهمزة دل على غيرها من المعاني كلبن فإنك إن قلت لَبَنتُ فلانا كان بمعنى أعطيته لبنا وإن قلت ألبن كان لازما بمعنى صار ذا لبن و قد يكون الفعل متعديا مجرد أو مزيد بالهمزة وكل منهما مستقلا بالدلالة على معنى غير المعنى الذي يدل عليه الآخر ولا تكون الهمزة في ذلك للتعدية و إنما هي لمعنى آخر وذلك كقذيت العين بمعنى جعلت فيها القذى وأقذيتها أي أزلت منها القذى وحمأت البئر بمعنى ألقيت فيها الحمأ وأحمأتها بمعنى أزلت منها الحمأ فالهمزة في ذلك للإزالة ومثل ذلك قتلت الرجلَ وأقتلته فكل منهما متعد يفيد معنى مستقلا فقتله بمعنى أوقع به القتل وأقتل بمعنى عرضه للقتل سواء وقع عليه القتل أو لم يقع وكذلك باع المتاع بمعنى نقل ملكه إلى غيره بالثمن وأباعه بمعنى عرضه للبيع، وقد تكون زيادة الهمزة للدلالة على الدخول في الزمان كأصبح بمعنى دخل في وقت الصباح وأمسى بمعنى دخل في
وقت المساء وأضحى بمعنى دخل في وقت الضحى وتكون أيضا للدلالة على قصد المكان كأيمن بمعنى قصد اليمن وأشأم بمعنى قصد الشام وأعرق بمعنى قصد العراق وأعمن بمعنى قصد عمان، فأنت ترى أن وزن أفعل يأتي لمعاني متعددة لا يخلط بعضها ببعض وقد جمع هذه المعاني المحقق الخليلي رحمه الله تعالى في "مقاليد التصريف" حيث قال:
عد بأفعل غالبا عز من أذل* ولوجوده عليها قد جعل
ومشبه أسرى ومن مكان * قصد وللدخول في زمان
ولئن كان كل فعل من هذه الأفعال له دلالته الخاصة التي يستمدها من زيادة الهمزة ولا تستوي جميعًا وإن اشتركت في وزن أفعل فإنه من الواضح أنه لا يجوز أن تكون الهمزة في أثرى للتعدية كما لا يجوز ذلك في أيسر وأعسر وأمشى وأمول فلا يكون شيء منها متعديا و بإمكانك أن ترجع إلى معاجم اللغة الأصيلة كالعين للخليل والصحاح للجوهري والجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري واللسان لابن منظور والقاموس للفيروز أبادي وشرحه للزبيدي فإن وجدت أن أثرى يتعدى فأتني به.
وأما المطار فإني أشكرك على ما جئتني به من اللسان وهو ـ لا ريب أنه خارج عن القياس فإن القياس فيما كان مصوغا من الثلاثيات من المصادر الميمية والظروف الميمية أن يكون على وزن مَفعَل بفتح العين سواءً كان مصدراً أو ظرفا كالمقعَد والملبَس والمدخَل والمخَرج إلا إن كان مضارعه على وزن يفعِل ـ بكسر العين ـ فإن مصدره بفتح العين وظرفه بكسرها كالمجلس والمقصد والمعطف والمضرب فهي تفتح في المصدر وتكسر في الظرف وإن كان الفعل واوي الفاء ومضارعه على وزن يفعِل كولد يولد ووزن يزن ووقد يقد ووعظ يعظ فإن ظرفه ومصدره جميعا يكونان على وزن مفعِل بالكسر كمولد وموزن وموعد وموقد وإن كان واوي الفاء ولكنه مفتوح العين في المضارع لأن لامه حرف حلق كوضع يضع ومثله يدَعُ أو كان في مضارعه وجهان فتح العين وكسرها بالسماع كوجَل يَجل ويوجل ففي ظرفه ومصدره خلاف منهم من راعى الواو فيه ومنهم من راعَ أن جاء مضارعه غير مكسور العين، وإن كان معتل العين بالياء فلا يكون مضارعه إلا على يفعِل كسار يسير وصار يصير وبان يبين وعاش يعيش وفي مصدره الميمي خلاف قيل هو كظرفه الميمي على وزن مفعِل بكسر العين كمصير ومجيء ومسير ومبيت ومقيل ومصيف وقيل بل حكمه حكم الصحيح وهو الذي نسبه المحقق الخليلي رحمة الله تعالى إلى الشهرة وذلك في قوله
للظرف والمصدر صيغ مفعَل* من الثلاثيات إلا يفعِل
ذا مفعل للظرف منه حققا * والكسر في ذي الواو فاء مطلقا
والخلف فيه كموضع وموجل * وأفتح فعل اللام كيفما اجتلى
وما حوى الياء عليه فهو كما * قد صح في الأشهر عند العلماء
وبهذا تدرك أن الأصل في طار يطير أن يكون إما مصدره وظرفه على مطير أو أن يكون مصدره على مطار وظرفه على مطير أما مجيء ظرفه على مطار فهو خارج عن القياس وإنما الاعتماد فيه على السماع وقد وجدته في اللسان كما ذكرت ولم أتمكن من مراجعة غيره من المعاجم وعلى كلٍّ إني أشكرك على ملاحظتك وجزاك الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
19/رجب/1429هـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
وبعد:
فقد تفضلتم ــ سماحتكم ــ وقلتم في محاضرتكم التي تحدثتم فيها عن الأخطاء الشائعة في العربية إن استعمال أثرى متعديا خطأ، وبينتم أن الهمزة فيه ليست للتعدية وإنما هي همزة الصيرورة والدخول في الشيء وفاقا لما ورد عن العرب في استعمالهم، لكن أقول متعلما أليس من وجه أن تكون الهمزة للتعدية في استعمال، وللصيرورة في استعمال آخر، فقد جاء في المعجمات العربية: ثري الرجل أي كثر ماله فعلا ثلاثيا قاصرا، فما الضير أن نستعمل همزة التعدية لتعدية الفعل الثلاثي هذا قياسا على الأفعال الثلاثية الأخرى، أو بعبارة أخرى ما السبيل إلى تعدية الفعل ثري؟
وقد ذكرتم ــ سماحتكم ــ في موضع آخر من المحاضرة أن استعمال (مطار) بهذه الصيغة اسما للمكان من الأخطاء الشائعة المعاصرة، بيد أننا إذا رجعنا إلى لسان العرب أو غيره من المعجمات وجدنا قوله: "والمطار موضع الطيران"، فما راي سماحة الشيخ في ذلك خدمة للعربية وعاء القرآن الكريم؟
الجواب: الهمزة في أثرى كالهمزة في أيسر وأعسر وأمول وأمشى أي صار ذا يسر أو ذا عسر أو ذا مال أو ذا ماشية فلا يحمل شيء منها على التعدية لأن التعدية في مواد الأفعال لها صيغ تدل عليها والهمزة وإن كانت للتعدية غالبا إلا أنها تكون دالة على التعدية دائما ولربما كان الفعل المحدد دالا على التعدية فإن دخلت عليه الهمزة دل على غيرها من المعاني كلبن فإنك إن قلت لَبَنتُ فلانا كان بمعنى أعطيته لبنا وإن قلت ألبن كان لازما بمعنى صار ذا لبن و قد يكون الفعل متعديا مجرد أو مزيد بالهمزة وكل منهما مستقلا بالدلالة على معنى غير المعنى الذي يدل عليه الآخر ولا تكون الهمزة في ذلك للتعدية و إنما هي لمعنى آخر وذلك كقذيت العين بمعنى جعلت فيها القذى وأقذيتها أي أزلت منها القذى وحمأت البئر بمعنى ألقيت فيها الحمأ وأحمأتها بمعنى أزلت منها الحمأ فالهمزة في ذلك للإزالة ومثل ذلك قتلت الرجلَ وأقتلته فكل منهما متعد يفيد معنى مستقلا فقتله بمعنى أوقع به القتل وأقتل بمعنى عرضه للقتل سواء وقع عليه القتل أو لم يقع وكذلك باع المتاع بمعنى نقل ملكه إلى غيره بالثمن وأباعه بمعنى عرضه للبيع، وقد تكون زيادة الهمزة للدلالة على الدخول في الزمان كأصبح بمعنى دخل في وقت الصباح وأمسى بمعنى دخل في
وقت المساء وأضحى بمعنى دخل في وقت الضحى وتكون أيضا للدلالة على قصد المكان كأيمن بمعنى قصد اليمن وأشأم بمعنى قصد الشام وأعرق بمعنى قصد العراق وأعمن بمعنى قصد عمان، فأنت ترى أن وزن أفعل يأتي لمعاني متعددة لا يخلط بعضها ببعض وقد جمع هذه المعاني المحقق الخليلي رحمه الله تعالى في "مقاليد التصريف" حيث قال:
عد بأفعل غالبا عز من أذل* ولوجوده عليها قد جعل
ومشبه أسرى ومن مكان * قصد وللدخول في زمان
ولئن كان كل فعل من هذه الأفعال له دلالته الخاصة التي يستمدها من زيادة الهمزة ولا تستوي جميعًا وإن اشتركت في وزن أفعل فإنه من الواضح أنه لا يجوز أن تكون الهمزة في أثرى للتعدية كما لا يجوز ذلك في أيسر وأعسر وأمشى وأمول فلا يكون شيء منها متعديا و بإمكانك أن ترجع إلى معاجم اللغة الأصيلة كالعين للخليل والصحاح للجوهري والجمهرة لابن دريد والتهذيب للأزهري واللسان لابن منظور والقاموس للفيروز أبادي وشرحه للزبيدي فإن وجدت أن أثرى يتعدى فأتني به.
وأما المطار فإني أشكرك على ما جئتني به من اللسان وهو ـ لا ريب أنه خارج عن القياس فإن القياس فيما كان مصوغا من الثلاثيات من المصادر الميمية والظروف الميمية أن يكون على وزن مَفعَل بفتح العين سواءً كان مصدراً أو ظرفا كالمقعَد والملبَس والمدخَل والمخَرج إلا إن كان مضارعه على وزن يفعِل ـ بكسر العين ـ فإن مصدره بفتح العين وظرفه بكسرها كالمجلس والمقصد والمعطف والمضرب فهي تفتح في المصدر وتكسر في الظرف وإن كان الفعل واوي الفاء ومضارعه على وزن يفعِل كولد يولد ووزن يزن ووقد يقد ووعظ يعظ فإن ظرفه ومصدره جميعا يكونان على وزن مفعِل بالكسر كمولد وموزن وموعد وموقد وإن كان واوي الفاء ولكنه مفتوح العين في المضارع لأن لامه حرف حلق كوضع يضع ومثله يدَعُ أو كان في مضارعه وجهان فتح العين وكسرها بالسماع كوجَل يَجل ويوجل ففي ظرفه ومصدره خلاف منهم من راعى الواو فيه ومنهم من راعَ أن جاء مضارعه غير مكسور العين، وإن كان معتل العين بالياء فلا يكون مضارعه إلا على يفعِل كسار يسير وصار يصير وبان يبين وعاش يعيش وفي مصدره الميمي خلاف قيل هو كظرفه الميمي على وزن مفعِل بكسر العين كمصير ومجيء ومسير ومبيت ومقيل ومصيف وقيل بل حكمه حكم الصحيح وهو الذي نسبه المحقق الخليلي رحمة الله تعالى إلى الشهرة وذلك في قوله
للظرف والمصدر صيغ مفعَل* من الثلاثيات إلا يفعِل
ذا مفعل للظرف منه حققا * والكسر في ذي الواو فاء مطلقا
والخلف فيه كموضع وموجل * وأفتح فعل اللام كيفما اجتلى
وما حوى الياء عليه فهو كما * قد صح في الأشهر عند العلماء
وبهذا تدرك أن الأصل في طار يطير أن يكون إما مصدره وظرفه على مطير أو أن يكون مصدره على مطار وظرفه على مطير أما مجيء ظرفه على مطار فهو خارج عن القياس وإنما الاعتماد فيه على السماع وقد وجدته في اللسان كما ذكرت ولم أتمكن من مراجعة غيره من المعاجم وعلى كلٍّ إني أشكرك على ملاحظتك وجزاك الله خيرا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
19/رجب/1429هـ