مدونة زاهر الهنائي
أكاديمي بجامعة السلطان قابوس

الاثنين، 14 مارس 2016

"رسائل إلى الوطن" جزء ثان من مذكرات أميرة عربية (النشرة الثقافية لوكالة الأنباء العمانية)



مسقط في 14 مارس /العمانية / صدر عن منشورات الجمل الجزء الثاني من مذكرات أميرة عربية حمل عنوان "رسائل إلى الوطن" للسيدة سالمة بنت السيد سعيد بن سلطان. نقل الكتاب من الألمانية إلى العربية زاهر الهنائي. وظل هذا الكتاب غائبا عن الترجمة إلى اللغة العربية رغم أن الجزء الأول من المذكرات لقي رواجا كبيرا في الشرق والغرب عندما نشرت طبعته الألمانية عام 1855 نظرا لما حوته تلك المذكرات من كشف الكثير من تفاصيل الحياة الشرقية التي كانت غائبة عن الأوروبيين.
    وكتاب "رسائل إلى الوطن" هو الكتاب الثاني للأميرة سالمة، وهو تكملة لمذكراتها، ويتضمن تفاصيل حياتها في ألمانيا، منذ لحظة انطلاق رحلتها إلى الشمال من عدن (يونيو 1867) عبورا بالبحر الأحمر، وتنتهي الرسائل عند انتقالها للعيش في برلين، بداية الثمانينيات من القرن 19 كما يذكر المترجم زاهر الهنائي.
وتتناول الرسائل حسب مقدمة المترجم تفاصيل حياة سالمة حيث كانت الرسائل سردا متدفقا بلا انقطاع، أظهرت فيه المعاناة الصعبة والواقع الأليم للأميرة من خلال ثلاثة مشاهد رئيسية. المشهد الأول ما قبل الفاجعة، والمشهد المركزي الفاجعة، والمشهد الأخير ما بعد الفاجعة، وقد خيم على جميع المشاهد بلا استثناء جو الحزن والألم ومرارة الغربة والحنين إلى الوطن والاغتراب الروحي.
وحول سبب تأخر صدور الرسائل يقول الهنائي "عندما وجد أولادها مخطوط الرسائل في تركتها، واطلعوا عليه أصابهم الذهول مما سجلته أمهم من مذكرات أليمة ومعاناة مريرة، فالرسائل تحكي تفاصيل ذلك الواقع الأليم الذي تعرضت له سالمة بعد فقد زوجها وتكشف الظروف الصعبة التي مرت بها. ولذلك حصل بينهم خلاف في مسألة نشرها، فقد أبدت ابنتاها تحفظا على ذلك، وكانت حجتهما أن نشر الرسائل سيظهر خصوصية الأم إلى العلن، ومن باب إنساني ينبغي عدم فعل ذلك، أو على الأقل ينبغي إجراء بعض التعديلات وحذف ما يلزم. يبدو أنه تم الاتفاق بين الإخوة بعد ذلك إلى أن تسلم مخطوطة الرسائل إلى المستشرق الهولندي بجامعة لايدن البروفيسور سنوك هُرْخرونيه. وفعلا قام ابنها سعيد بتسليمها إليه سنة 1929 مع ملاحظة كتابية نصها: "يُمنع نشر "رسائل إلى الوطن" دون إذن قبل 1 يناير 1940!". وهكذا بقي المخطوط بعيدا عن النشر حتى قام الباحث الهولندي بنشرها سنة 1993 باللغة الإنجليزية مع سائر كتاباتها الأخرى وهي المذكرات ونص قصير من عشر صفحات تقريبا تكملة لمذكراتها تحكي فيه تفاصيل رحلتها الثانية إلى زنجبار بعد موت أخيها برغش 1888، ونص قصير أيضا عن عادات وتقاليد سورية رصدت فيه الحالة الاجتماعية آنذاك. ثم قام بعدها السفير الألماني الأسبق في تنزانيا هاينز شنيبن بنشر الرسائل مستقلة سنة 1999 مع مقدمة وخاتمة طرق فيها قضية تحول سالمة من السيدة سالمة إلى إميلي رويته وأوضح أهمية الرسائل باعتبارها وثيقة لحياة سالمة وعصرها (1867-1884)، كما كشف عن المصادر التي استند إليها في عمله، وهي مادة جيدة للدارسين والمهتمين بسالمة وإرثها الكتابي.
 
   وقال زاهر الهنائي إن رسائل السيدة سالمة لم تكن موجهة إلا إلى صديقة افتراضية  من زنجبار، ولو كانت صديقة حقيقية لما خاطبتها بلغة ألمانية لا تفهمها. ولكن سالمة كانت تريد أن توصل رسائلها إلى أولادها بعد موتها، ويبدو أنها أخفت عنهم في حياتها كل تلك التفاصيل المؤلمة، وتركت لهم معرفة ذلك والاطلاع عليه بعد وفاتها.
ويقول الهنائي إن السيدة سالمة حضرت بشكل كبير في الأدب الأوروبي وخاصة عند الألمان الذين اهتموا كثيرا بها وتجسد في نشر مذكراتها ورسائلها وترجمتها، كما كان لها حضور في أعمال روائيين لهم سمعتهم في الوسط الأدبي من أمثال الروائية الألمانية نيكولا تسي فوسلر في عملها الروائي "نجوم على زنجبار، 2010"، ورواية "دي كاديتن، طلاب الكلية الحربية، 1957" للكاتب إرنست فون سالومون، ورواية " زنجبار بلوز، أو كيف اكتشفتُ ليفينغستون، 2008" للروائي هانس كريستوف بوخ، والرواية الإنجليزية "ريح التجارة، 1982" لماري إم كيه، وقد ترجمت إلى اللغة الألمانية بعنوان "جزيرة في العاصفة"، وهناك عمل روائي آخر للكاتب والأديب السويسري لوكاس هارتمان بعنوان "وداع زنجبار، 2013".    
وقال الهنائي إن هناك الكثير من الكتابات التاريخية والسياسية التي تتحدث عن الفترة التي عاشت فيها السيدة سالمة والتي تزامنت مع القيصر فيلهلم الأول والثاني والمستشار بسمارك بشكل عام، متاحة بين أيدي القراء وتحوي الكثير من الوثائق، ومن أهمها كتاب يوليوس فالدشميت بعنوان: "القيصر والمستشار والأميرة، مصير امرأة بين الشرق والغرب، 2006"، وكتاب ليونارد نيسين ديترس بعنوان: "امرأة ألمانية في الخارج ومناطق النفوذ، 1913" يتحدث فيه أيضا عن السيدة سالمة، ولا ننسى أيضا كتاب السفير الألماني هاينز شنيبن "زنجبار والألمان، علاقة خاصة (1844-1966)". أما ما يتعلق بتركة سالمة الأدبية فهي ملك جامعة لايدن بهولاندا التي هي من ضمن مقتنيات المستشرق الهولندي صديق سالمة البروفيسور سنوك هروخرونيه، وهي متاحة أيضا، وتحتوي على جميع أنشطتها الكتابية التي نشرها الباحث الهولندي E. van Donyel ، وتتضمن أيضا رسائل وأجوبة بين سالمة وصديقها المستشرق ورسائل أخرى لها أيضا، وكذلك رسائل لأبنائها مع بعض الصور الوثائقية. كما تحتفظ بعض المكتبات الألمانية بنسخ من الطبعات الأولى للمذكرات ومخطوطات رسائل، قمتُ بنشرها في الكتاب مع ترجمة لها.
وإضاف الهنائي إن كتاب "مذكرات أميرة عربية" لم يحظ حتى الآن بترجمة تستحقها. فرغم الترجمتين اللتين تم نشرهما إلا أنهما لم تنظرا إلى المذكرات على أنها وثيقة تاريخية، ينبغي تقديمها للقارئ كما هي في الأصل دون زيادة عليه أو نقصان أو تحريف، فالقيسي الذي ترجم المذكرات لأول مرة عن اللغة الإنجليزية كان يتصرف في النص ويحاول تلطيف العبارات قليلا خوفا من أن يصدم القارئ، وقد بينت المترجمة سالمة صالح شيئا من ذلك في مقدمتها، ولكنها هي أيضا وقعت في الأمر نفسه وربما كانت تخشى على القارئ من الصدمة معتبرا أن ذلك ليس مبررا لتلطيف العبارة أو محاولة تخفيف وقعها عليه دون الإشارة في أقل تقدير إلى هذا التغيير في مضمون النص أو التنبيه على ذلك في مقدمة الكتاب.
/العمانية /ط.م

الأحد، 13 مارس 2016

مختارات من رسائل إلى الوطن،، للكاتبة رجاء الصارمي – نشر في ملحق شرفات 2/2016

 (طلبت مني مرارا أيتها الصديقة العزيزة أن أرويَ لك تفاصيل حياتي في الشمال وإذا كان ما يرضيك لم يتحقق حتى الآن فذلك بسبب خوفي من إعادة الذكريات بتفاصيلها في نفسي مرة أخرى).

هكذا استأنفت السيدة سالمة مذكراتها في رسائلها إلى الوطن، تلك الرسائل التي سجلت دهشة وقعت فيها امرأة شرقية، كان جل علاقتها بالغرب حب جمعها بتاجر ألماني في وطنها، وقدرها الذي حرك مركبها إلى المجهول، لتجد نفسها وحيدة من كل شيء، مجبرة على تحريك ذلك المركب بمجدافي ألم وخوف (هل كان الوضع مختلفا معي عندما ألقي جسدي أول الأمر في هذا الوسط؟ احتجت إلى سنين لأفيق من هول صدمة ما كان يحيط بي وما كنت أسمعه وأراه بمرور الوقت).
في حالة السيدة سالمة لم يعد الاندماج في المجتمع الغربي وعاداته أمرا اختياريا، ورحلتها من البحر الأحمر إلى بحر الشمال ستكون نهاية لبداية جديدة، سيُخدش حياؤها كثيرا وستتقزز من الأكل ولكنها ستلوذ بالصمت، فما عاد الكلام يجدي. تقول واصفة الرحلة على متن السفينة: (منذ عدة ليال ينام الركاب في الدرجة الأولى، الرجال والنساء كلهم جميعا، في فرشهم في القاعة، إن هذا النوع الجديد من الحرية لم يكن يروق لي كثيرا ولكن يُفعل هذا من باب التمدن ..أما الشيء الأجمل فقد كان المنظر في الصباح التالي عند الاستيقاظ؛ إذ الرجال جميعهم بقمصان النوم والسراويل البيضاء الرقيقة، ولا شيء آخر، والنساء جميعهن بقمصان النوم الإنجليزية الطويلة وتنورة تحتية رقيقة بيضاء، وجميعهن من دون جوارب طبعا).
مرسيليا هي أول مدينة أوروبية تطأها قدما السيدة سالمة كما عبرت عن ذلك، ولأن جسدها الشرقي لم يعتد إلا على الشمس الجميلة فغيابها كان كفيلا بأن يجعلها تتجمد من البرد (وعلى الرغم من أن وصولنا كان في شهر يونيو إلا أنني تجمدت من البرد، حتى أن السيدة اللطيفة والطيبة كثيرا c لفّتني بمعطفها؛ إذ لم أكن أملك أي شيء يدفئني…)
الآن سوف تتجه السيدة سالمة إلى هامبورج حيث ستعيش ثلاث سنوات وأكثر بقليل بجانب زوجها حياة مستقرة وستنجب أطفالها الثلاثة، ولكن الطريق إليها هو طريق إلى المجهول، وليس أصعب من المجهول سوى المسير إليه، تقول واصفة تلك اللحظات: (عندما غادرنا الفندق متجهين إلى محطة القطار ساورني قلق غريب رغبت بسببه في الصراخ عاليا؛ إذ بدا لي وكأني لن أرجع بعد الآن إلى الوطن أبدا، وأن كل الجسور تنهار من ورائي، وتحول صراخ روحي إليكم إلى آلاف الأصوات من جزيرتي الحبيبة التي تنادي جميعها بصوت واحد: «لا تذهبي أبعد من ذلك، عودي» دخلت مع نفسي في صراع رهيب، وبلا شعور ركبت القطار الذي يسوقني حثيثا إلى أرض مجهولة وإلى أناس غرباء عني تماما كما لو أني في عجلة كبيرة للوصول إلى مكاني المستقبلي في أسرع وقت ممكن، وهكذا اتجهنا إلى الشمال)
عاشت السيدة سالمة منذ ولادتها في بلاد ما عرفت غير الإسلام دينا، وظلت عصفورا يحلق بجناحين قويين، إلا أن كلمة (نعم) أثقلت جناحيه فما عاد يعرف بأي سماء يحلق على اتساعها. (أقول لك بكل صراحة، إياك أن تغيري دينك دون قناعة حقيقية، «قناعة»؟ نعم، بمن أعتقد؟ وكيف؟ لم يكترث أحد بعد ذلك لإيماني الحقيقي، كان يكفي القس على ما يبدو، بالدرجة الأولى أن يسمع كلمة «نعم» تأكيدا على ما قاله لي بلغة لم أفهمها إطلاقا عند التعميد ثم عند الزواج الذي تلاه، ولا شيء أكثر من ذلك. وبهذا اعتنقت المسيحية والباقي وجب علي أن أكمله بنفسي…)
وظلت السيدة سالمة تبحث عن سلام لروحها التي ما عادت تدري أي طريق تسلك (قررت من الأفضل لي أن أظل مخلصة لديني القديم في البداية، على الأقل، حتى أشعر بسلام داخلي، فلا شك أنه من الأفضل لي ألف مرة أن أكون مسلمة بدلا من كوني غير مسيحية من القلب ولا مسلمة). تقول واصفة لحظة دخولها الكنيسة للصلاة لأول مرة: (فطلبت من زوجي أن يصحبني إلى الكنيسة. وفي يوم من أيام الأحد ذهبنا إلى هناك وعندما كنت أمام الباب أنوي الدخول خالجني شعور كأنني أوشك على ارتكاب خطأ ما، ولكن الآن لا أستطيع فعل أي شيء سوى الدخول حتى لا أحرج زوجي وعندما جلست على مقعد بين أناس آخرين أصابني ضيق صدر لا يوصف …)
ما أكثر تشبثنا بالأحلام، فهي مخارجنا لكل شيء، ففرحا نقول حلما وتحقق، وحزنا نتمنى أن يكون حلما وينتهي، وبينهما نعلق في أحلام عدة. (قضيت الفترة الأولى في أوروبا وكأني في حلم، وتمنيت أن يكون لي بدل عينين وأذنين، عشر منهما؛ حتى أتمكن من استيعاب كل ما هو جديد وعجيب…ومع أنني لست ضعيفة بطبيعتي إلا أنني كان يتملكني الخوف قليلا. فقد بدا لي ذلك مخيفا، كل شيء، كل شيء، مختلف عما عندنا، المنازل والشوارع والملابس والأكل، ونعم حتى الهواء والناس، وتوجب علي تقبل واستيعاب الكثير بلا حصر ودفعة واحدة.)
لم تنقطع صلة السيدة سالمة في ألمانيا عن الوطن فحسب، وإنما ما عاد لها أي اتصال بكل من حولها في المجتمع الألماني كذلك، إلا مع زوجها الذي يتحدث السواحلية والخادمة الإنجليزية التي كانت تتحدث معها بالهندوستانية إلى أن تعلمت اللغة الألمانية. (وكان لا يمكنني الحديث مطلقا يوميا، عدا الأحد، إذ أصبح من الساعة التاسعة والنصف صباحا حتى الرابعة عصرا، بشكل اعتيادي، خرساء؛ لأن زوجي يكون في هذا الوقت في عمله… أصبحت الحياة على هذا النحو لا تطاق، مثلما ذكرت، لا تطاق أبدا وعزمت على ألا يهدأ لي بال حتى أتعلم لغة هذه البلاد…كما عزمت بكل ما أوتيت من طاقة على محاولة تعلم كل شيء سريعا، تقاليد وعادات البلد الذي أعيش فيه الآن، حتى لا أترك انطباعا فيه شيء من شفقة الجميع على تنشئتنا المتواضعة حسب كثير من الآراء هنا.)
إن نمط الحياة في المجتمع الألماني كان نمطا صعب الاستيعاب على تلك الفتاة الشرقية التي عاشت بين أحضان الطبيعة ورضعت منها سنين طوال، والآن قد حان الأوان ليكون كل شيء من مقاس الحضارة الأوروبية (…فلو قدر لمسلمة أخرى من القسطنطينية أو القاهرة تحت الظروف نفسها أن تعيش في أوروبا لما احتاجت كثيرا أن تكابد ذلك التباين الذي أجبرتُ على معايشته آنذاك، فقد كنت ألبس حتى وقت قريب زي أسلافي القديم منذ آلاف السنين، وكنت أستخدم أصابعي الخمس كسكين وشوكة طبيعيتين)، وفي عادات كان يجب عليها أن تعتاد عليها تقول: (كنت أستحم في حوض الاستحمام بنفور كبير في البداية، ولكن وجب عليّ التعود عليه كغيره من الأشياء الكثيرة بمرور الوقت؛ إذ وجدت من القذارة أن أغتسل في ماء غير جارِ مثلما تعودنا على ذلك في بيتنا) وتقول فيما يتعلق بالأكل: (رأيت أن الأكل هنا يطبخ سيئا للغاية، ولم أستطع بداية التعود على الطعام إلا بصعوبة فائقة. وقبل كل شيء كانت فكرة أكل لحم الخنزير مريعة لي، واستغرق الأمر طويلا…كنت عندما لا أرغب في أكل الكثير من التوافه المحلية -بعد تذوقها- أذهب بكل بساطة إلى المطبخ وأطبخ لنفسي الكاري والبيلاو) وعن الهواء قالت: (ولأنني أصبحت أعيش سنوات ليلا ونهارا على النوافذ المفتوحة، كنت أتحمل في البداية باستياء الهواء المستهلك والضار لجهازي التنفسي، والنتيجة أنني كنت أعاني من الصداع حالما أكون في غرفة ليس بها ما يكفي من الهواء… تخيلي فقط أنني أصبحت بسبب حبي للهواء الطلق دون علم أضحوكة الجيران، خاصة أنني كنت أفتح النوافذ طويلا أيضا في أثناء الشتاء، وكان يشاع أنني كنت أدفئ الشوارع أيضا!).
لقد ظل الحنين إلى الوطن جرحا لم يبرأ مع الزمن، ولم يخفت في ظل الأوجاع التي تكالبت على السيدة سالمة، وفي وحدتها نفثت روحا في جمادات لتتقاسم وإياها الألم، علها تجد بذلك تسلية لقلبها الحزين. (ولقتل ساعات الوحدة قليلا، فقد كنت عاجزة عن الكلام فعلا، كان لمجوهراتي وقطع ملابسي أن تعاني كثيرا، إذ كنت أتبادل معها أفكاري بصمت، دون حاجة إلى الكلام. أوليست هي الأشياء الوحيدة التي كانت تذكرني بكم وبوطني الحبيب؟ ربما ترين هذا الفعل طفوليا جدا، ومع ذلك أعترف لك بصراحة، أنني مع هذا الفعل، الذي كان يحدث فقط والأبواب مغلقة، وليس نادرا أقوم بتقبيل ومعانقة هذه الأشياء الجامدة. وكثيرا ما يدخل علي زوجي والغرفة ممتلئة بالأغراض المبعثرة فيقوم بمساعدتي في توضيبها).
إن الصورة النمطية المرسومة عن المرأة العربية والتي ما زالت باقية في أذهان البعض في الغرب الأوروبي عانت منها السيدة كثيرا (… لأنه على أي حال كانت تذكر القصص الأكثر سخفا عن المرأة العربية. ومنها، أنني سمينة مثل البرميل على الرغم من أنني كنت في ذلك الوقت نحيفة، ولدي لون ووجه زنجية، وقدماي صغيرتان جدا كأقدام امرأة صينية، ونظرا لذلك لا أستطيع المشي بالطبع …حتى بلغ الأمر في النهاية أن تقوم سيدة ساذجة جدا بتحسس شعري الزنجي المزعوم بحرية غريبة! مع أنها كانت المرة الثانية فقط التي أراها فيها!)
إن الانتقال من الشرق إلى الغرب يعني الكثير من المشاهد الجديدة، والأعراف اللامنطقية من وجهة نظر العقل الشرقي، الأمر الذي يجعلك عالقا في الدهشة أكثر الأحيان. الثلج والسيرك والبخار المنبعث من أفواه الناس والحيوانات من شدة البرد، والمسرح، وأعياد الميلاد، والكثير الكثير من المشاهد التي دهشت منها السيدة سالمة وأعقبت دهشتها برأيها عن ذلك. (كانت مشاهدة الثلج لأول مرة شيئا غريبا لي، ولا أزال أذكر حتى الآن تلك اللحظة التي كنت أرى فيها ندف الثلج الأولى وهي تتساقط من السماء بتموج، …بدا لي غريبا أن يحاول نثر القطن الأبيض الخالص هناك من فوق السماء على الأرض المتسخة…في البداية لم أستطع أن أفسر المشهد،… وارتقبت وصول زوجي بعجلة حتى يفسر لي هذا اللغز الشمالي)
(تخيلي فقط أن البشر والحيوانات كلهم جميعا يبدأون في الشتاء عند درجات برودة محددة بالتدخين، كيف كان مدهشا لي عندما رأيت الأحصنة والبخار يتصاعد منها في الشارع، وأيضا من فمي، يخرج دخان كثيف، وفي إحدى الطلعات في عربة مغلقة في الشتاء رأيت من زجاج النافذة كيف كان سائق العربة يلطم كلتا ذراعيه باستمرار، وخوفا من هذا المشهد العجيب الذي ظننت فيه أن المسكين أصبح مجنونا فجأة، قررت طبعا أن أترك العربة بأسرع ما يمكن، فضحك مني زوجي كثيرا، وفي الوقت نفسه حاول تهدئتي…)
(وكنا من حين إلى لآخر نذهب إلى سيرك رنتس، حيث كانت تعجبني الخيول الرائعة. …ولكن كان الظهور العجيب للنساء أقل إعجابا لي، إذ يظهرن بملابس قصيرة جدا، فما يسميه الناس هنا بقطع الملابس كان في الحقيقة بالكاد يحمل الاسم!)
(وبعد وقت قليل توجب علي أيضا أن أزور مسرحا. مسرح؟! سألت زوجي ما معنى المسرح؟ فأجابني بأن المسرح هو بيت كبير تعرض فيه مختلف التمثيليات، واليوم مثلا سيعرض شيء يذكرك بوطنك، مسرحية «المرأة الإفريقية» … كل شيء بدا لي جديدا وغريبا وبعيدا عن الواقع، ولم أجد تفهما للأمر برمته عندما سألني زوجي إن كانت المسرحية قد أعجبتني، لأجيبه فقط بـ«لا» فرددت عليه سائلة إن كان الممثلون أيضا مجانين، «لا، أبدا» رد علي ضاحكا…)
(دهشت عندما علمت أنه يحتفل بمولد المسيح ولكن دون التفكير مع ذلك، على الأقل في الصلاة. هل يمكنك أن تتصوري ذلك؟!)
ولا يخلو الأمر من استغراب زوجها من تصرفاتها وأسئلتها في بعض الأحيان من منطلق شرقيتها، تقول في معرض وصف عيد الميلاد: (في الصباح التالي لم يكن استغراب زوجي قليلا حين رآني نازلة من غرفة النوم على الدرج في الساعة العاشرة صباحا وأنا رافلة في حلة كاملة، فواجهني بهذا الكلام: «يا إلهي! بيبي ماذا هناك وإلى تودين الذهاب؟!»، دلفت نازلة بكل هدوء، أجر ذيل الفستان الطويل، ثم سألته إن لم يكن هو بنفسه من قال لي إن اليوم وغدا هما يوما عيد! ـ «نعم بيبي مثل هذا يفعل لديكم ولكن الأمر هنا مختلف»)
ومن محاسن الصدف على قلتلها في حياة سالمة بعد زواجها (ومن المصادفة أن وصلت إلينا قبل أربعة عشر يوما من موعد الحفلة سلحفاة ضخمة مباشرة من زنجبار، في سفينة شراعية، وكانت توضع في حوض الاستحمام مع أننا كنا نستعمله مرات عدة في الأسبوع… وكنت أجلس ساعات مع السلحفاة في الحمام وأفكاري في هذه اللحظة تبعد مئات الأميال عن المكان الذي رمانا القدر إليه أنا والسلحفاة… تملكت النظرات الحانية قلبي عندما كنت أرى السلحفاة جالسة في الماء هادئة لا تحرك ساكنا، وسرح بي الخيال أن تكون جليستي الخرساء قد قرأت أفكاري ومشاعري، ومنذ أن كانت بيننا أحسست بشعور أقل بالوحدة وكنت حزينة كثيرا عندما كان يجب أن تموت حتما، فلحمها سيقدم بالتأكيد حساء يسمى «حساء السلحفاة»… من يصف لي شعوري عندما سألني الخادم: «سيدتي! حساء البوليون أم حساء السلحفاة؟ كان ذلك قاسيا جدا، كيف أملك قلبا يجعلني أستمتع بلحم جليستي الخرساء؟!)
لم تدرِ السيدة سالمة وهي تودع سلحفاتها (جليستها الخرساء) كما وصفتها أن هناك وداعا ينتظرها سيقصيها إلى حيث الألم والحزن وفقدان النصير. تروي السيدة سالمة في رسائلها تفاصيل الفاجعة التي مرت بها. من بداية خروج زوجها من البيت مرورا بتفاصيل وجوده في المشفى وأيامه الأخيرة وهو يصارع الألم وصولا إلى الحضن الأخير للنعش الذي ضم جثة زوجها. وفي معرض ذلك تقول: (…حيث كنت في الفراش من أثر حمى ألمت بي، وكان يجب علي باستمرار أن أضع كمادات ثلج على رأسي حتى أقاوم الحرارة التي اعترتني نتيجة فطاط طفلتي… أراد زوجي زيارة أبيه المريض في شقته الصيفية، وللوصول إلى هناك كان يجب على المرء أن يستعمل عربة القطارات …وعندما استيقظت كان كل شيء مظلما، …حتى الساعة التاسعة ليلا كان كل شيء هادئا لأنني في هذا الوقت كنت أتوقع رجوع زوجي، بدأ يساورني بعض القلق …الساعة عند منتصف الليل وزوجي حتى الآن لم يعد…أخيرا طرق أحد جرس المنزل بلطف… مضى تقريبا خمس دقائق على ذلك وكانت بالنسبة لي طويلة جدا،…بدأ قلق لا يوصف يساورني مرة أخرى، وفجأة قفزت من سريري، وأنا بقميص النوم ومشيت إلى الرواق… وبدأت أنادي زوجي بصوت مرتفع من الدرابزين عله يسمعني… وإذا بي أجد نفسي ممسكة بالخادمة التي هبت إلي مسرعة وهي تصعد السلم … وكان يبدو عليها الاضطراب جدا… وإذا بأحدهم يقول لي مواسيا: «سيدتي، زوجك لا يزال حيا ولكنه مريض جدا»
قضت سالمة أتعس لحظات حياتها وهي غارقة في حزنها بجوار زوجها والذي كان من حولها يواسيها فيه وهو لا يزال يتنفس (تمكنت من رؤية ما لم أستطع رؤيته في الليلة الماضية، كان هناك جرح كبير يغطي طول جبهته، والأنف كان متضررا، وعند أسفل الرأس كان هناك جرح أكبر وأخطر من الذي على الجبهة، وكانت إحدى أذنيه مفقودة تمام، أما الجرح القاتل فكان في صدره الذي كان مع الذراع في حالة تهشم كامل وكانت ساقه أيضا قد تضررت ضررا جسيما! …)
وتختم فصل تحت اسم «بين الأمل واليأس» بقولها: (في تمام الساعة الخامسة والنصف مساء أراح الله زوجي المسكين من عذاباته). وبهذا انتهت حياة زوجها.
وفي ختام مشهد الوداع: (عندما انتهت مراسم التشيع ورأيت كيف تأهب الناس ليلقوا كل ما لدي في القبر، استولت علي أمنية واحدة، وهي أن أكون من تلك الطائفة التي تحكم على الزوجات بالحرق في كومة الحطب، حتى تلحق مباشرة بالزوج! … احتضنت النعش وجاهد الناس بمشقة لنزعي منه. أو ليس قد ضم هذا النعش كل ما أملكه؟!…)
كل شيء كان يثير فيها الوجع، فهي الآن وحيدة بلا وطن، بلا أهل، بلا سند، في مجتمع لا شفقة ولا رحمة فيه، ومع أطفال ثلاثة لا يتجاوز عمر أكبرهم عن سنتين ونصف. ظلت سالمة هائمة في حزنها، مُرعبة من كل شيء، وما أكثر ما جمعت أطفالها في الغرفة حولها وأغلقت عليهم الباب، كانت تجلس معهم لساعات طويلة، كاتمة كل ذلك الخوف بداخلها عن الآخرين. لكن للحب قوة خارقة تصنع المعجزات، وليس كحب الأم حب. لقد قاومت السيدة سالمة بكل قوتها، وتكبدت المشقة وتحملت الجوع والألم، وضحت بكل ما تملك. فكانت لأطفالها الأب والأم، والمعلم والطبيب، والقريب والبعيد.
لقد تنقلت سالمة في ربوع ألمانيا، من مدينة إلى أخرى، وقد يسأل السائل ما الدافع لكل هذا الترحال، إنه العوز المادي، نعم …ابنة سلطان عمان وزنجبار وزوجة التاجر الألماني وصل بها الحال إلى بيع مجوهراتها، وأن تعمل كمعلمة للغة العربية، وأن تخيط نعلها في جنح الليل والناس نيام. لقد حملت فصول ما بعد الفاجعة (موت زوجها) الكثير من المعاناة والألم، إذ كانت حياتها بعد ذلك كمركب في وجه عاصفة وأمواج متلاطمة تحيط به، والغرق يحدق به في كل لحظة. (كان التفكير في أنه يتوجب علي أن أواصل العيش في الظروف الأوروبية المعقدة جدا وتذكر فقدي الذي لا يعوض، يسلبني ما بقي لي من رمق في الحياة. وقبل كل شيء كان الشعور المؤرق بالوحشة يحكم قلبي دائما).
(مثلما يقال في هذه البلاد قلما تأتي مصيبة وحدها، كان هذا يصدق أيضا على حالتي) لقد تعرضت السيدة سالمة لخيانة خسرت من ورائها الكثير من أموال زوجها، مما جعلها تعيد النظر في استمرارها في هامبورج مدينة الغلاء، ولهذا انتقلت من هامبورج إلى دريسدن، وقبل مغادرتها لهامبورج حدث ما أدخل فرحا عابرا إلى قلبها المنكسر (…وفعلا بعد أربعة عشر يوما تقريبا من مصادفتهم في الشارع كنت أجلس وحيدة في غرفتي أتذكر الماضي بحزن، وأفكر في المستقبل بتردد؛ إذ دخلت علي الخادمة وأبلغتني أن عشرين من الرجال السود تقريبا يودون رؤيتي، عرفت دون مشقة من هم زواري…)، إذن فقد زارها بحارة من زنجبار. تفاصيل ذلك اللقاء وكيف عثر أولئك البحارة على مكانها والأيام التي قضوها في بيتها مع أطفالها، أفردت له السيدة سالمة فصلا بعنوان (زيارة من زنجبار) (وكان لقاؤنا مؤثرا جدا إلى حد أن الخادمتين الألمانيتين الجالستين على الباب أخذتا تبكيان بصوت عال دون أن تعرفا أي كلمة من كل الكلام الذي نتحادث به…)
في دريسدن حيث محطات جديدة تنتظر السيدة سالمة، والعوز المادي يزداد يوما بعد يوم (وحتى حصالة الأطفال كان يجب عليها أن تضحي بما فيها من نقود)، والآن لن يكون لدى السيدة سالمة سوى بيع مجوهراتها (ربما ما زلت تذكرين المشبك الذهبي الذي صنعته لي على نموذج سلاح البحرية الانجليزي من الذهب الخالص، كنت أريد بيع هذا المشبك، فذهبت لأغلى بائع مجوهرات معروف وطلبت منه أن يقدر ثمنه، راق لبائع المجوهرات أن ينظر إليّ بشفقة، فقد اعتبرني سفيهة ومعتوهة، ومن دون أن ينظر إلى المشبك عن قرب أرجعه إليّ وقال لي بلد زائد: «سيدتي نحن نتعامل مع الذهب والفضة» …) وتكمل السيدة سالمة قصتها مع التاجر وكيف أجبرته على وضع المشبك في محك الذهب لإثبات صدقها وأن المشبك من عيار ذهب 18، وقصص أخرى كثيرة تسجلها السيدة سالمة في مواجهة ما آلت إليها من العوز المادي.
كانت حياة السيدة سالمة رمادية، لا شيء يمكن أن يخفف عنها أوجاعها التي تزداد لحظة بعد لحظة، ولكن الحياة وإن قست فلا يخلو الأمر من هدايا ربانية بين الحين والآخر، وهو فعلا ما حدث مع السيدة سالمة بعد أن التقت بصديقة حنون والتي كانت عونا لها في وحشتها «البارونة سوندسو» (آه كم مرة سقت إليها قلبي المثقل بالأحزان وقد كنت مطمئنة إلى تفهمها ومشاركتها في كل حال، كم مرة آه، كم مرة عدت إلى البيت من عندها مواساة قوية، لأتمكن من مواصلة طريق حياتي المملوء مشقة). كذلك تعرفت السيدة سالمة في رحلة إلى سويسرا الساكسونية على بروفيسور كان له أثر جميل في حياتها، خصوصا من الناحية العلمية، إذ تعلمت على يديه أشياء كثيرة (اقترح علي البروفيسور اقتراحا أسعدني كثيرا، وقبلته في الحال، وهو أن أعطيه دروسا في اللغة العربية على أن يعطيني في المقابل ساعات في الدروس العلمية…)
ومرة أخرى تفكر السيدة سالمة في الانتقال إلى مكان أرخص لتكون مسارا لشتات وجهتها هذه المرة، هناك حيث ستبدأ مرحلة جديدة في حياتها وحياة أطفالها؛ إذ سيبدأ أولادها في ارتياد المدرسة (احتضنت أطفالي بحرارة عندما ذهبوا في صباح اليوم الأول إلى المدرسة ، وبدا لي الأمر وكأنهم أوشكو على القيام برحلة حول العالم)
ظلت سالمة عالقة في همومها، وكان تعليم أطفالها هو الأهم بالنسبة لها، فهي كثيرا ما تؤكد في رسائلها أن العلم هو أساس الحياة الكريمة في المجتمع الألماني ومن لم يحظَ به لأي عذر ما فلن يجد من المجتمع سوى الصد والمهانة. في تلك الأثناء كان الشتاء في ألمانيا، وهو وقت خصب لانتشار الأوبئة وقد أصيب سعيد بالدفتيريا الخبيثة ولولا رحمة الله لكان في عداد الموتى كما كان يتنبأ الطبيب (وبعد ساعة واحدة بعدما آيسني الطبيب من كل أمل، خرج فجأة تيار شديد من الدم من فم الطفل الذي كان متصلبا ومستلقيا على فراش، فجلب له هذا التقيؤ النجاة.)
وكذلك الحال مع الطفلتين فما إن حل الربيع حتى أصيبتا بالحمى القرمزية (مرت عليّ أيام من المعاناة والمكابدة لا يمكن أن تتخيليها، لن تصدقي إذا قلت لك إنه كان يجب علي أن أظل ستة أسابيع كاملة مع طفلتين مريضتين ومن دون أي مساعدة، فقد كان يجب علي أن أقوم بنفسي بكل أعمال البيت، لأنني لم أجد خادمة؛ فالكل كان خائفا من العدوى… وصارحتني خياطة عجوز كانت تأتي إلينا لبضع ساعات ومن وقت إلى آخر لتساعدني في أمور المطبخ وتوفير الأشياء، فقالت لي في أحد الأيام إنها تأسف جدا؛ فلن تتمكن في الأيام القادمة من المجيء لمساعدتي؛ وذلك لأنها تخشى أن تفقد زبائنها الآخرين!…)
وللمرة الثالثة تتجه السيدة وأطفالها إلى العاصمة الألمانية وهذه المرة من أجل العمل؛ إذ ستبدأ السيدة سالمة في تدريس العربية (للأسف لم أجد إقبالا كبيرا على دراسة العربية؛ لأنه على الأرجح في ذلك الوقت لم يكن الشرق في ألمانيا موضة. ولاحقا قدمت أيضا دروسا في اللغة السواحلية والتي كانت أسهل بكثير على الأوروبيين، وكان الغالب في موضوعات تدريسي لطلابي عن كل شيء ممكن تقريبا…) في فصل بعنوان (في عاصمة الإمبراطورية) تتطرق السيدة سالمة للموضوعات التي كانت تتحدث فيها مع طلابها، كما تذكر موقفا لزوجين يهوديين، وفي فصل سابق تفكر بصوت مسموع بشأن العمل وقرارها فيه.
كثيرة هي القرارات التي كان يجب عليها أن تتخذها عقلا لا عاطفة. فبعد صراع مرير قررت أن تبعث ابنها للمدرسة العسكرية ببنسبيرج (جلسنا في هذا المشوار القصير صامتين فكلانا كان يشعر بمعنى اللحظات القادمة، كان لدينا مسافة لا بأس بها لنمشيها على الأقدام، حتى نصل إلى هدفنا، وعند كل خطوة كان قلبي يتصدع من القلق الداخلي الذي لا يوصف، حتى أوشكت أن أرجع بالولد…) ظل قلب السيدة سالمة ينزف وجعا على بعد طفلها، ولم يفارقها شعور «أنها قدمته قربانا على مذبح الوفاء لزوجها»
تدهورت حالة السيدة سالمة كثيرا طوال تلك السنين، والتفاصيل كثيرة حول ذلك كما أوردتها في الرسائل. عاشت سالمة حياتها من أجل أطفالها، فضلت العزلة عن العالم الخارجي (وبهدوء وانعزال عشت تماما من أجل الأولاد فقط، ومن دونهم لم يكن لي أن أحس بالراحة، معا، فالناس كانوا يعلمون أنني لا أحب أن أخرج من دونهم. وكان خروجهم من البيت وحدهم يبعث في قلقا كبيرا؛ لأن عبور الشوارع المزدحمة كان يشكل لي دائما مصدر قلقل مستمر)
إن رسائل إلى الوطن هو وثيقة كتبت الحياة ليوميات امرأة شرقية عاشت في مجتمع غربي، حيث لا شيء يشبهها في ذاك المكان، الفقد عنوان كبير تحته الكثير من التفاصيل التي عانتها السيدة سالمة والتي سجلتها بقلب أم رؤوم. يبقى القول إن امرأة كالسيدة سالمة منعطف إنساني خارج عن القوانين الحياتية المعتادة والخلود حق لها.
* رسائل إلى الوطن كتاب جديد للسيدة سالمة بنت سعيد يترجم لأول مرة إلى اللغة العربية.. وترجمه من الألمانية زاهر الهنائي.
كاتبة عمانية مقيمة في ألمانيا.

رواية «وداع زنجبار Abschied von Sansibar» للكاتب السويسري لوكاس هارتمان، سالمة بنت سعيد في الأدب الأوروبي –

نشر في ملحق شرفات بجريدة عمان، 16.02.2016

زاهر الهنائي –

لم يقتصر حضور الأميرة العربية سالمة بنت سعيد في كتاباتها التي تمثّلت في مذكراتها ورسائلها، بل كانت هناك أعمال روائية تجسدت فيها الأميرة وأبناؤها رمزا لعلاقة الشرق والغرب، بدءا من الرواية الألمانية إرنست فون سالمون «الكاديتِن، طلاب المدرسة العسكرية» 1957، ومرورا برواية ماري إم كاي رياح التجارة سنة 1963، التي ترجمت إلى الألمانية سنة 1982 بعنوان جزيرة في العاصفة، ومرورا أيضا برواية هانس كريستوف بوخ «زنجبار بلوز» 2008، ورواية الكاتبة الألمانية نيكولا تسي فوسلر «نجوم على زنجبار» 2010، وآخرها رواية المؤلف السويسري لوكاس هارتمان «وداع زنجبار» 2013.
رواية «وداع زنجبار، Abschied von Sansibar» للوكاس هارتمان باللغة الألمانية (2013) تناقش إشكالية الاندماج في المجتمع الغربي متخذة من الشخصية التاريخية للأميرة سالمة وأولادها الثلاثة سعيد وأنطوني وروزالي أنموذجا لذلك، يحاول هارتمان توظيف الأحداث التاريخية التي مرت بها سالمة وأولادها في تعميق فكرة فشل الاندماج، مركزا على ابنها سعيد رويته الذي يمثل بطل الرواية، حيث تبدأ الرواية بمشهد سعيد الذي أصبح على مشارف نهاية العقد السابع من حياته، بالتحديد سنة 1946. ويبدأ في رحلة الذكريات وهو على كرسيه في غرفته يسترجع الماضي، ماضي أمه وعودتهم الأولى إلى زنجبار سنة 1885، يسترجع تلك الذكريات بتفاصيلها وهو في طريق الرحلة إلى زنجبار وتوقفهم في عدن، المكان الذي كانت أمه تحاول إخفاء ذكرياتها الأولى فيه قبل عشرين عاما عندما أقامت شهورا تنتظر زوجها. يسترجع فشل الرحلة عن تحقيق أهدافها في استرجاع أموال أمه في زنجبار. يستثمر لوكاس هارتمان رسالة سالمة (سنة 1883) إلى أخيها برغش التي تظهر فيها سالمة شغفها بالصلح مع أخيها برغش ومحاولة استرضائه، فيقتطع جزءا من الرسالة في بداية كل فصل من فصول الرواية السبعة عشر.
محاولا إظهار شوق سالمة إلى وطنها وألمها ومعاناتها في الغربة. يعزّز هارتمان ثيمة الفقد هذه وعدم القدرة على الاندماج للأسرة بذلك التشظي والتفرق الذي حصل للأسرة نتيجة الحرب العالمية الأولى والثانية، من خلال رسالة روزالي إلى أخيها سعيد بعد فترة طويلة من الافتراق وعدم رؤيتهم لبعض منذ آخر لقاء جمعهم في مقبرة العائلة بهامبورج حينما قرروا بعد أسبوعين من وفاة أمهم نقل رفاتها إلى مقبرة العائلة بهامبورج ليدفن بقرب زوجها، بعدها لم يحصل بينهم لقاء حتى وفاتهم. يحاول هارتمان أيضا تعميق هذا الإشكال في قضية زواج سعيد من امرأة يهودية، كانت من عائلة ثرية، وموقف أمه وأختيه الرافض. كما يظهر ذلك في الخلاف بين سعيد وزوج أخته الكبرى أنطوني وعدم التوافق بينهما. يستمر الكاتب في تعميق فكرة التشظي وإحساس الأبناء بعدم الانتماء في مشكلة أنطوني مع زوجها ذي الميول الاستعمارية وعدم التوافق بينهما مما يؤدي إلى انفصالهما لاحقا. وكذلك في عدم استقرار سعيد في عمله، منتقلا من ملحق عسكري في القنصلية الألمانية في بيروت ثم مفوض عام للسكك الحديدية في مصر ثم مدير للبنك الألماني الشرقي في القاهرة، وأخيرا أصبح حرّا وكرس نفسه في مجال العلاقات الدولية، ولا سيما العلاقة بين اليهود والعرب، واشتغل بأفكار تيودور هرتزل، الذي كان يطالب بوطن لليهود في فلسطين.. ويشعر بعد ذلك محبطا أنه لم يحقق ما كان يصبو إليه. يحاول أيضا المؤلف توسيع ثيمة الألم والمعاناة من خلال حادثة موت أنطوني في نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث توفيت في شقتها بباد أولدسلو بهامبورج نتيجة قصف الطيران الحربي البريطاني سنة 1945. يحاول هارتمان أن يملأ بعض الفراغات حول تفاصيل حياة أنطوني الغامضة في كثير من جوانبها بإحداث فكرة العثور على مخطوطة في شقتها التي توفيت فيها، تتحدث هذه المخطوطة عن حياتها ، التي لم تعد بعض الأوراق منها صالحة للقراءة وبعضها ساقط. وكذلك من خلال رسالة الابنة الصغرى روزالي إلى أخيها سعيد، التي لم تكن واثقة من وصول الرسالة إليه، فهي لا تعرف الآن عنوان إقامته ولا تعرف إن كان على قيد الحياة أيضا، يحاول المؤلف من خلالها استظهار شخصية روزالي التي تكاد تكون مغيبة في الوثائق ولا نعرف إلا القليل عن تفاصيل حياتها، تظهر هذه الرسالة شخصية روزالي وقربها من أمها حيث ظلت معها كثيرا في يافا وبيروت ورافقتها في سنوات حياتها الأخيرة عندما عادت سالمة من بيروت سنة 1914 قبيل الحرب العالمية الأولى لتستقر في ألمانيا إلى وفاتها في منزل ابنتها روزالي في مدينة فيينا سنة 1924. كما يحاول لوكاس هارتمان إظهار شخصية روزالي من خلال دورها في صياغة مذكرات أمها التي نشرتها في عام 1886، وحظيت بسببها بسمعة جيدة في الوسط الأوروبي، وترجمت إلى عدة لغات، ونالت إعجاب كثير من الكتاب والمهتمين، ومن بينهم الكاتب الإنجليزي الإيرلندي الشهير أوسكار وايلد (1854-1900). حيث تكشف روزالي هذا السر، الذي وعدت أمها بعدم الكشف عنه، لأخيها سعيد بعد مدة طويلة من ظهور المذكرات وانتشارها، في معرض دفاعها عن نفسها بأنه كان يُنظر إليها أنها قليلة الحيلة وليس لديها من الإمكانيات مثل أخيها سعيد الذي كان له عدة مؤلفات وكذلك أختها أنطوني التي نشرت كتابها عن المأكولات الاستوائية 1907، وكتبت مقالات أثناء وجودها في جزر المارشال في جاليوت نشرتها في مجلة المستعمرات الألمانية سنة 1902 بعنوان «Südsee Bilder».
تنتهي الرواية بمشهد موت سعيد على كرسيه في غرفته بفندق شفايتسرهوف بمدينة لوتسرن السويسرية سنة 1946 نتيجة أزمة قلبية، وحوار سعيد مع أمه الميتة التي حضرت قبل وفاته ليحاول عبثا سؤالها عن حقيقتها ومن تكون، حيث أخذ إحساسه بالضياع وعدم الانتماء يزيد مع مرور الأيام وحاول جاهدا أن يتعرف على حقيقة أمه ومن تكون وهو في الرمق الأخير من حياته، ولكن شبح أمه ولّى دون إجابة وأغمض هو عينيه للأبد..
تقدم رواية «وداع زنجبار» قراءة واعية لتفاصيل حياة أسرة سالمة وتحاول إكمال ثغرات فيها لم تسعفنا بها الوثائق، مستندة إلى أحداث تاريخية وشخصيات حقيقية واقعية استمدها المؤلف من قراءته واطلاعه على أعمال تاريخية وأدبية مهمة عن سالمة وأبنائها، وزيارات ميدانية قام بها للاطلاع عن قرب على تفاصيل حياة هذه الأسرة الشرقية الغربية. وكان للملحق الذي وضعه في نهاية روايته أهمية كبيرة للمهتمين بتفاصيل أسرة الأميرة سالمة. ويتضمن سردا تاريخيا مهما بالوقائع والشخصيات، وقائمة بالمراجع والمصادر التاريخية والأدبية التي تتعلق بشخصية الأميرة وأبنائها. قمت هنا بترجمة هذا السرد التاريخي نظرا لأهميته في الكشف عن جانب مهم من سيرة سالمة وأبنائها وأحفادها الذي ظلّ لسنوات طويلة مجهولا.
تاريخ وأحداث مهمة في حياة السيدة سالمة بنت سعيد وأبنائها:
-10.03.1839: ولادة رودولف هاينريك رويته (زوج سالمة) في هامبورج، وهو ابن الدكتور أدولف هرمان رويته من زوجته الأولى فرانتسيسكا روزالي (بالولادة. فويلش).
-30.08.1844: ولادة سالمة بنت سعيد، ابنة السيد سعيد بن سلطان، سلطان عمان وزنجبار، وأمها جارية شركسية اسمها جلفيدان، في بيت المتوني.
-1855: التحاق هاينريك رويته كمتدرب في شركة هانزينج (Hansing & Co) ثم أصبح وكيلا لها في عدن.
-1856: وفاة أبيها السلطان سعيد، وتولي أخيها غير الشقيق ماجد الحكم، قامت بإدارة مزارعها الكثيرة التي ورثتها، وكانت لا تزال صغيرة. وزُجّ بها في مؤامرة أخيها غير الشقيق برغش للإطاحة بماجد. ولكن المحاولة فشلت.
-1866: انتقال هاينريك إلى زنجبار، وتعرفه على الأميرة سالمة في ظروف غامضة، ووقوعه في حبها.
-24.08.1866: سالمة حامل في الشهر الرابع، تهرب إلى عدن على السفينة الحربية البريطانية «Highflyer»، وتنتظر زوجها في عدن أشهرا.
-07.12.1866: ولادة الابن الأول «هاينريك»، الذي توفي لاحقا في طريق الرحلة إلى هامبورج.
-30.05.1867: وصول هاينريك رويته إلى عدن. وفي اليوم نفسه تحوّلت سالمة إلى المسيحية واتّخذت اسم إميلي وتزوجت هاينريك رويته. وانطلقت رحلتهما إلى هامبورج.
-24.03.1868: ولادة الابنة الكبرى أنطوني توقا في هامبورج.
-13.04.1869: ولادة الابن رودولف سعيد.
-16.0401870: ولادة الابنة روزالي جاتسا.
-06.08.1870: وفاة هاينريك رويته نتيجة حادث مؤلم. وضعت السلطات في هامبورج إميلي تحت الوصاية.
-07.10.1870: وفاة السلطان ماجد في زنجبار، وتولي برغش الحكم، الذي رفض مطالبات سالمة في ما ورثته عن أبيها وأمها.
-1870/‏‏‏71: الحرب بين ألمانيا وفرنسا، وانتهائها باستسلام فرنسا، وتأسيس الإمبراطورية الألمانية في شبيجل زال فون فرزاليس في 19 من يناير 1871، وتتويج فلهلم الأول (الذي كان ملكا بروسيا) قيصرا على الإمبراطورية. وأصبح أوتو بسمارك مستشارا للإمبراطورية.
-1872: انتقال إميلي رويته مع أولاده الثلاثة إلى دريسدن.
-1875: تسافر إميلي إلى لندن، حيث كان برغش في زيارة رسمية. أُحبِطت غايتها في التصالح مع برغش من قبل البريطانيين. فرجعت محبطة إلى ألمانيا.
-1877: انتقال الأسرة إلى رودولشتات نتيجة التردي الكبير للوضع المالي. وتحاول إميلي كسب المال عن طريق تدريس العربية. وتحصل على دعم من قبل أهل الخير من النبلاء.
-1879: الانتقال إلى برلين.
-1880- تقريبا 1900: تنافس القوى الأوروبية في الحركة الاستعمارية في أفريقيا، وسعي الإمبراطورية الألمانية الحديثة إلى فرض مكان لها في الجنوب الغربي من أفريقيا وشرقها، لمنافسة بريطانيا العظمى في النفوذ الكبير وعوائد التجارة في زنجبار.
-1882: التحاق سعيد بمدرسة بنسبرج العسكرية في كولونيا.
-1885: إميلي تسافر برفقة أولادها الثلاثة إلى زنجبار، تحت حماية الأسطول الألماني. يحاول بسمارك استغلال إميلي، وخصوصا سعيد، كأداة ضغط، لدفع برغش إلى التوقيع على اتفاقية، تؤمّن لألمانيا السيادة على المناطق الساحلية لشرق أفريقيا. يرضخ السلطان برغش للمطالب الألمانية بسبب الزوارق البحرية. ولكنه يرفض استقبال إميلي والتصالح معها. اتضح لإميلي أنها استعملت كأداة في اللعبة السياسية. كما أن الخطة لجعل سعيد سلطانا كانت غير قابلة للتنفيذ.
-1886: نشر مذكرات أميرة عريبة عن دار فريدريك لوكهارت ببرلين وانتشارها في أوروبا. تم ترجمتها إلى عدة لغات.
-1888: سعت سالمة بعد وفاة برغش إلى المصالحة مع السلطان خليفة، فسافرت للمرة الثانية إلى زنجبار، وكانت برفقتها هذه المرة ابنتها روزالي فقط. ولكن جميع محاولاتها لكسب رضا السلطان باءت بالفشل. كما شعرت بالإهانة من خذلان الحكومة الألمانية لها، فقررت عدم الرجوع إلى ألمانيا واستقرت مع ابنتيها في الشرق الأوسط، بداية في يافا والقدس ثم في بيروت.
-1888-1890: وفاة القيصر فيلهلم الأول 1888، ووفاة خليفته أيضا فريدريك الثالث بعد 99 يوما متأثرا بالسرطان. يصبح ابنه فيلهلم الثاني قيصرا وهو ابن 29 عاما. كان فيلهلم الثاني من البداية ضد سياسات بسمارك التوسعية.
وفي مارس 1890 طلب القيصر من بسمارك الاستقالة من منصبه.
-01.07.1890: توقيع معاهدة هيجولاند-زنجبار بين الإمبراطورية الألمانية والمملكة المتحدة لبريطانيا وإيرلندا. اعترفت ألمانيا بالحماية البريطانية على زنجبار وبيمبا. وتنازلت بريطانيا العظمى مقابل ذلك عن جزيرة هجولاند لألمانيا. وبذلك أصبح واضحا لإميلي أن قضيتها لا يمكن أن تلقى دعما من الجانب الألماني.
-1893: سعيد يصبح ملازما في حامية تورجاو، ويأمل في مساعدة أمه في المطالبة بإرثها في زنجبار عن طريق وساطة بسمارك رغم كل المعوقات. ويرغب في الوقت نفسه أن يُنقَل إلى القنصلية الألمانية في بيروت. يتمكن من مقابلة المستشار السابق.
-1894: سعيد في بيروت كملحق عسكري تحت إمرة القنصل شرويدر. يعيش سنة مع أمه وأختيه.
1898- 1900: سعيد يودع الخدمة العسكرية بعد عشر سنين كملازم أول. ويصبح فجأة مفتشا عاما للسكك الحديدية في مصر.
-30.04.1898: زواج أنطوني في بيروت من المسؤول الاستعماري أويجن براندايس (1846-1930)، حاكم جزر المارشال. سافرا إلى جنوب المحيط الهادي.
-06.09.1900: ولادة ابنة أنطوني ماري مارجريتا، وتدعى جريتشن، في جالويت.
-16.09.1901: سعيد يتزوج ماريا تيريزا ماتياس (1872-1947) في برلين، وهي تنتمي إلى عائلة يهودية ثريّة. وعَمُّها لودفيك موند (1839-1909) هو مؤسس مصنع الصودا الرائج، وصنع له اسما كأحد الداعمين والراعين للفنّ.
-22.05.1902: ولادة ابن سعيد فرنر هاينريك ماتيسن في برلين.
-09.12.1902: زواج روزالي في برلين من ضابط المدفعية مارتن ترويمر من مدينة يينا (1862-1940)، الذي أصبح بعد ذلك لواء.
-06.10.1903: ولادة ابنة روزالي إميلي في برلين.
-10.08.1904: ولادة ابنة أنطوني جولي يوحنا في جالويت.
-18.09.1904: ولادة ابنة روزالي برتا في برلين.
-1905: أنطوني وزوجها يعودان من جنوب المحيط الهادي. يكون لها نشاط بارز في جمعية الاستعمار الألماني النسائية وتعد من مؤسسات مدرسة المرأة الاستعمارية في ريندسبورج.
تنشر سنة 1907 كتابا عن المأكولات الاستوائية، للترويج للغذاء الصحي للحياة في المستعمرات الألمانية.
-1906-1910: سعيد يحصل على موافقة من مجلس الشيوخ بهامبورج، لتسمية نفسه برودولف سعيد رويته، ويصبح مديرا للبنك الشرقي الألماني في القاهرة لأربع سنوات. وبعد استقالته عاش متنقلا بين لندن ومدينة لوتسيرن السويسرية يعمل في الأعمال الحرة والخيرية، وكرس نفسه أكثر في العلاقات الدولية، ويرغب في أن يكون وسيطا في الشرق الأوسط بين اليهود والعرب، واشتغل بأفكار تيودور هرتزل، الذي كان يطالب بوطن لليهود في فلسطين.
-08.05.1910: ولادة ابنة سعيد أولجا سالمة ماتيلد في لندن.
-ربيع 1914: إميلي تعود من بيروت وتقيم مع ابنتها روزالي في برومبرج، مقاطعة بوزين (حاليا بيدجوشتش في بولندا). ولم ترجع بعدها إلى الشرق الأوسط.
-27.06.1914: مقتل وريث العرش النمساوي فرانس فرديناد في سراييفو. كان الحادث سببا في اندلاع الحرب العالمية الأولى، التي راح ضحيتها أكثر من تسعة ملايين وانتهت بسقوط الإمبراطورية القيصرية الألمانية، كما خسرت ألمانيا مستعمراتها، واختفت من الخريطة الإمبراطورية العثمانية التي كانت بيروت جزءا منها.
-1914-1918: في أثناء الحرب أخذ رودولف سعيد رويته ينشر رسائل خطابية في جريدة زيورخ الجديدة، مطالبا بنهاية سلمية بين «الدول المتقدمة»، خصوصا بين ألمانيا وإنجلترا. جلب له ذلك في الأوساط القومية الألمانية شهرة كممثل للبلاد. ولكنه كألماني مقيم في لندن كان غير مرحب به، ولذلك أقام أثناء سنوات الحرب مع أسرته في مدينة لوتسيرن بسويسرا.
-1920: أنطوني تنفصل عن زوجها، الذي سيعيش بعد ذلك عشر سنوات في زكينجين إلى وفاته.
-29.02.1924: وفاة إميلي رويته في مدينة يينا في منزل ترويمر نتيجة إصابتها بالتهاب رئوي مزدوج. دفنت جرة رفاتها في مقبرة العائلة بأولسدورف في هامبورج.
-12.10.1929: زواج ابنة روزالي إميلي ترويمر في برلين من الحقوقي إريك شفينجه (1903-1994)، الذي كان له دور كبير لاحقا في صياغة القانون الجنائي العسكري فيما يعرف بالإمبراطورية الثالثة (الإمبراطورية الألمانية 1933-1945) وحكم بالإعدام على الهاربين من الخدمة العسكرية.
-30.01.1933: يصبح هتلر مستشارا للإمبراطورية الألمانية. ويبدأ النازيّون بملاحقة ممنهجة لغير الآريين وخصوصا اليهود.
-1934: يصبح رودولف سعيد رويته بريطاني الجنسية، وتسقط عنه الجنسية الألمانية.
-01.09.1939: اندلاع الحرب العالمية الثانية. قوات هتلر تهاجم بولندا، وتعلن فرنسا وبريطانيا الحرب على ألمانيا. تُحقق القوات الألمانية في الأشهر الأولى تقدما مذهلا يؤدي إلى استسلام فرنسا.
-1939-1945: في أثناء الحرب عاشت أسرة سعيد رويته بشكل رئيسي في لندن. حاول سعيدوزوجته تيريزا مساعدة المهاجرين الألمان.
-24.04.1945: وفاة أنطوني نتيجة قصف الطيران البريطاني لشقتها في باد أولديسلو بهامبورج.
-31.03.1946: وفاة سعيد رويته في فندق شفايتسرهوف بمدينة لوتسرن بسويسرا.