مسقط في 14 مارس /العمانية / صدر عن منشورات الجمل الجزء الثاني
من مذكرات أميرة عربية حمل عنوان "رسائل إلى الوطن" للسيدة سالمة بنت السيد
سعيد بن سلطان. نقل الكتاب من الألمانية إلى العربية زاهر الهنائي. وظل
هذا الكتاب غائبا عن الترجمة إلى اللغة العربية رغم أن الجزء الأول من
المذكرات لقي رواجا كبيرا في الشرق والغرب عندما نشرت طبعته الألمانية عام
1855 نظرا لما حوته تلك المذكرات من كشف الكثير من تفاصيل الحياة الشرقية
التي كانت غائبة عن الأوروبيين.
وكتاب "رسائل إلى الوطن" هو الكتاب الثاني للأميرة سالمة، وهو
تكملة لمذكراتها، ويتضمن تفاصيل حياتها في ألمانيا، منذ لحظة انطلاق
رحلتها إلى الشمال من عدن (يونيو 1867) عبورا بالبحر الأحمر، وتنتهي
الرسائل عند انتقالها للعيش في برلين، بداية الثمانينيات من القرن 19 كما
يذكر المترجم زاهر الهنائي.
وتتناول الرسائل حسب مقدمة المترجم تفاصيل حياة سالمة حيث كانت
الرسائل سردا متدفقا بلا انقطاع، أظهرت فيه المعاناة الصعبة والواقع الأليم
للأميرة من خلال ثلاثة مشاهد رئيسية. المشهد الأول ما قبل الفاجعة،
والمشهد المركزي الفاجعة، والمشهد الأخير ما بعد الفاجعة، وقد خيم على جميع
المشاهد بلا استثناء جو الحزن والألم ومرارة الغربة والحنين إلى الوطن
والاغتراب الروحي.
وحول سبب تأخر صدور الرسائل يقول الهنائي "عندما وجد أولادها
مخطوط الرسائل في تركتها، واطلعوا عليه أصابهم الذهول مما سجلته أمهم من
مذكرات أليمة ومعاناة مريرة، فالرسائل تحكي تفاصيل ذلك الواقع الأليم الذي
تعرضت له سالمة بعد فقد زوجها وتكشف الظروف الصعبة التي مرت بها. ولذلك حصل
بينهم خلاف في مسألة نشرها، فقد أبدت ابنتاها تحفظا على ذلك، وكانت حجتهما
أن نشر الرسائل سيظهر خصوصية الأم إلى العلن، ومن باب إنساني ينبغي عدم
فعل ذلك، أو على الأقل ينبغي إجراء بعض التعديلات وحذف ما يلزم. يبدو أنه
تم الاتفاق بين الإخوة بعد ذلك إلى أن تسلم مخطوطة الرسائل إلى المستشرق
الهولندي بجامعة لايدن البروفيسور سنوك هُرْخرونيه. وفعلا قام ابنها سعيد
بتسليمها إليه سنة 1929 مع ملاحظة كتابية نصها: "يُمنع نشر "رسائل إلى
الوطن" دون إذن قبل 1 يناير 1940!". وهكذا بقي المخطوط بعيدا عن النشر حتى
قام الباحث الهولندي بنشرها سنة 1993 باللغة الإنجليزية
مع سائر كتاباتها الأخرى وهي المذكرات ونص قصير من عشر صفحات تقريبا تكملة
لمذكراتها تحكي فيه تفاصيل رحلتها الثانية إلى زنجبار بعد موت أخيها برغش
1888، ونص قصير أيضا عن عادات وتقاليد سورية رصدت فيه الحالة الاجتماعية
آنذاك. ثم قام بعدها السفير الألماني الأسبق في تنزانيا هاينز شنيبن بنشر
الرسائل مستقلة سنة 1999 مع مقدمة وخاتمة طرق فيها قضية تحول سالمة من
السيدة سالمة إلى إميلي رويته وأوضح أهمية الرسائل باعتبارها وثيقة لحياة
سالمة وعصرها (1867-1884)، كما كشف عن المصادر التي استند إليها في عمله،
وهي مادة جيدة للدارسين والمهتمين بسالمة وإرثها الكتابي.
وقال زاهر الهنائي إن رسائل السيدة سالمة لم تكن موجهة إلا إلى صديقة افتراضية من
زنجبار، ولو كانت صديقة حقيقية لما خاطبتها بلغة ألمانية لا تفهمها. ولكن
سالمة كانت تريد أن توصل رسائلها إلى أولادها بعد موتها، ويبدو أنها أخفت
عنهم في حياتها كل تلك التفاصيل المؤلمة، وتركت لهم معرفة ذلك والاطلاع
عليه بعد وفاتها.
ويقول الهنائي إن السيدة سالمة حضرت بشكل كبير في الأدب الأوروبي
وخاصة عند الألمان الذين اهتموا كثيرا بها وتجسد في نشر مذكراتها ورسائلها
وترجمتها، كما كان لها حضور في أعمال روائيين لهم سمعتهم في الوسط الأدبي
من أمثال الروائية الألمانية نيكولا تسي فوسلر في عملها الروائي "نجوم على
زنجبار، 2010"، ورواية "دي كاديتن، طلاب الكلية الحربية، 1957" للكاتب
إرنست فون سالومون، ورواية " زنجبار بلوز، أو كيف اكتشفتُ ليفينغستون،
2008" للروائي هانس كريستوف بوخ، والرواية الإنجليزية "ريح التجارة، 1982"
لماري إم كيه، وقد ترجمت إلى اللغة الألمانية بعنوان "جزيرة في العاصفة"،
وهناك عمل روائي آخر للكاتب والأديب السويسري لوكاس هارتمان بعنوان "وداع
زنجبار، 2013".
وقال الهنائي إن هناك الكثير من الكتابات التاريخية والسياسية
التي تتحدث عن الفترة التي عاشت فيها السيدة سالمة والتي تزامنت مع القيصر
فيلهلم الأول والثاني والمستشار بسمارك بشكل عام، متاحة بين أيدي القراء
وتحوي الكثير من الوثائق، ومن أهمها كتاب يوليوس فالدشميت بعنوان: "القيصر
والمستشار والأميرة، مصير امرأة بين الشرق والغرب، 2006"، وكتاب ليونارد
نيسين ديترس بعنوان: "امرأة ألمانية في الخارج ومناطق النفوذ، 1913" يتحدث
فيه أيضا عن السيدة سالمة، ولا ننسى أيضا كتاب السفير الألماني هاينز شنيبن
"زنجبار والألمان، علاقة خاصة (1844-1966)". أما ما يتعلق بتركة سالمة
الأدبية فهي ملك جامعة لايدن بهولاندا التي هي من ضمن مقتنيات المستشرق
الهولندي صديق سالمة البروفيسور سنوك هروخرونيه، وهي متاحة أيضا، وتحتوي
على جميع أنشطتها الكتابية التي نشرها الباحث الهولندي E. van Donyel
، وتتضمن أيضا رسائل وأجوبة بين سالمة وصديقها المستشرق ورسائل أخرى لها
أيضا، وكذلك رسائل لأبنائها مع بعض الصور الوثائقية. كما تحتفظ بعض
المكتبات الألمانية بنسخ من الطبعات الأولى للمذكرات ومخطوطات رسائل، قمتُ
بنشرها في الكتاب مع ترجمة لها.
وإضاف الهنائي إن كتاب "مذكرات أميرة عربية" لم يحظ حتى الآن
بترجمة تستحقها. فرغم الترجمتين اللتين تم نشرهما إلا أنهما لم تنظرا إلى
المذكرات على أنها وثيقة تاريخية، ينبغي تقديمها للقارئ كما هي في الأصل
دون زيادة عليه أو نقصان أو تحريف، فالقيسي الذي ترجم المذكرات لأول مرة عن
اللغة الإنجليزية كان يتصرف في النص ويحاول تلطيف العبارات قليلا خوفا من
أن يصدم القارئ، وقد بينت المترجمة سالمة صالح شيئا من ذلك في مقدمتها،
ولكنها هي أيضا وقعت في الأمر نفسه وربما كانت تخشى على القارئ من الصدمة
معتبرا أن ذلك ليس مبررا لتلطيف العبارة أو محاولة تخفيف وقعها عليه دون
الإشارة في أقل تقدير إلى هذا التغيير في مضمون النص أو التنبيه على ذلك في
مقدمة الكتاب.
/العمانية /ط.م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق