مدونة زاهر الهنائي
أكاديمي بجامعة السلطان قابوس

الخميس، 25 سبتمبر 2014

سلسلة المستشرقين 6- أناماري شيمل عميدة المستشرقين الألمان


أناماري شيمل باحثة ألمانية في الشؤون الإسلامية، ولدت عام 1922 بمدينة إرفورت بألمانيا، كان أبوها موظفا في البريد، ومهتما بالفلسفة والتصوف، أما أمها فكانت تنتمي إلى عائلة من البحّارين. بدأت تتعلم العربية على يد المستشرق الألماني هانس إلينبرج وهي طالبة في الخامسة عشرة من عمرها، وفي الوقت نفسه كانت تُدَرِّس اللغة الألمانية في جامعة فريدريش شيلر بمدينة ينا. وقد تم تقفيزها سنتين وبذلك أنهت الثانوية العامة وهي في السادسة عشرة. بدأت عام 1939 بعد ستة أشهر من الخدمة التطوعية بدراسة الكيمياء والفيزياء في جامعة فريدريش فيلهلم سابقا (جامعة هومبولت حاليا) ببرلين، وكانت تحضر مستمعةً أيضا محاضرات تاريخ الفن الإسلامي واللغة العربية، حصلت عام 1941 على الدكتوراه بدرجة امتياز من جامعة برلين حول مكانة الخليفة والقاضي في مصر في العصور الوسطى المتأخرة، وقد نُشرت عام 1943 أيضا في كتاب "عالم الإسلام". عملت حتى نهاية الحرب مترجمة في وزارة الخارجية الألمانية. اعتقلتها السلطات الأمريكية في ماربورج مع باقي موظفي الخارجية من مايو 1945 حتى سبتمبر. حصلت على دكتوراه ثانية عام 1951 في موضوع تاريخ الأديان بإشراف فريدريش هايلر وكان عنوان الأطروحة دراسات حول مفهوم الحب الصوفي في التصوف الإسلامي المبكر من جامعة ماربورج. عينت من عام 1953 حتى 1954 أستاذا منتدبا في جامعة ماربورج. وأصبحت عام 1961 محاضرا منتدبا في اللغات الشرقية في جامعة بون، كانت أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة هارفارد في كامبرج بالولايات المتحدة الأمريكية (1967-1992)، وقد وكل إليها مهمة تأسيس معهد للثقافة الإسلامية الهندية، ومن ثَمّ أصبحت سنة 1970 أستاذة متخصصة في الثقافة الإسلامية الهندية بجامعة هارفارد.
درّست بصفتها أستاذة أو محاضرة في مؤسسات مختلفة منها كلية الإلهيات بأنقرة، وفي المعهد الإسلامي بلندن (1982-1983)، وفي جامعة إدنبرة (1992-1993). وقد وصفت باكستان بأنه وطنها الثاني، وفي لاهور تم تسمية معهد جوته السابق باسمها.
وقد نشرت أناماري شيمل أكثر من مائة كتاب ومقال ومنشور علمي. منحت عام 1995 جائزة السلام التي يمنحها اتحاد الناشرين الألمان سنويا بالتزامن مع معرض فرانكفورت للكتاب. وقد أثار منحها للجائزة جدلا واسعا في ألمانيا، وكان من ضمن المعارضين كُتّاب من أمثال يوهانس ماريو سيمل، وتسليمة نسرين، ورالف جيوردانو، وأليس شفارتسر، وإلفريدي يلينيك، غونتر فالراف، وبسام الطيبي. كما احتجت 270 دار نشر وما يقرب من 300 مكتبة تجارية على منحها الجائزة؛ لأنها أعربت في مقابلة تلفزيزنية عن تفهما لغضب العالم الإسلامي من رواية الآيات الشيطانية للكاتب البريطاني الهندي سلمان رشدي.
وأثارت بذلك جدلا واسعا في المشهد الأدبي، وتعرضت لهجوم من الكاتبة والطبيبة البنجالية تسليمة نسرين، كما وجه إليها تلميذها السابق جيرنوت روتر هجوما شديدا. وتوجه عدد من الكتاب والمشاهير ودور النشر وأصحاب المكتبات برسالة مفتوحة إلى الرئيس الألماني رومان هرتسوغ من أجل حجب الجائزة عنها. ونتيجة لذلك اجتمعت لجنة التحكيم مرة أخرى، ومع ذلك جرت مراسم تسليم الجائزة، وشفع لشيمل أنها لم تكن ذات توجه سياسي.
بذلت أناماريا شيمل حياتها لتقديم فهم أفضل عن الإسلام في الغرب ومن أجل التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين. وفي هذا السياق أعادت مرة أخرى إحياء مكانة المستشرق والشاعر والمترجم الألماني فريدريش روكرت الذي يعد أهم ناقل للآداب الشرقية إلى الألمانية. وكانت هي نفسها مهتمة بالتصوف الإسلامي وكان شاعرها المفضل محمد إقبال. وقد نفت مرارا زعم اعتناقها للإسلام وتسمّيها باسم جميلة.
وقد سُمّي شارع في مدينة لاهور الباكستانية باسمها. وأقيمت مراسم جنازتها في كنيسة الصليب البروتستانتية بمدينة بون في الرابع من فبراير سنة 2003.
تم تكريم شيمل في محافل عدة ونالت جوائز مرموقة، من بينها:
1965: جائزة فريدريش روكرت من مدينة شفاينفورت.
1980: جائزة يوهان هاينريش فوس للترجمة من الأكاديمية الألمانية للغة والشعر.
1983: الهلال الفخري من جمهورية باكستان الإسلامية.
1989: وسام الاستحقاق من جمهورية ألمانيا الاتحادية.
1990: البومة الذهبية من جمعية سقراط.
1992: جائزة الدكتور ليوبولد لوكاس من جامعة توبنغن.
1995: جائزة السلام لاتحاد الناشرين الألمان.
1996: وسام الاستحقاق المصري للفنون والعلوم من الدرجة الأولى.
1997: عضو فخري في المركز الإسلامي في ألمانيا.
2001 جائزة روشالن لمدينة بفورتسهايم.
2002: وسام دوستليك من جمهورية أوزبكستان.
2002: جائزة محمد نافع  الشلبي الإعلامية.
2005: خُلد ذكرها في "ممشى المشاهير" في شارع بونجاسّا بمدينة بون.
مختارات من أعمالها:
-          الخليفة والقاضي في أواخر القرون الوسطى مصر. أطروحة. جامعة لايبزيغ 1943.
-          التهويدات (هدهدات النوم). هولتزمندن 1948
-          دراسات حول مفهوم الحب الصوفي في الإسلام. أطروحة. جامعة ماربورغ 1954.
-          باكستان - قلعة بألف بوابة. زيوريخ 1965.
-          الأبعاد الصوفية في الإسلام. تاريخ التصوف (العنوان الأصلي: أبعاد صوفية للإسلام، Mystical dimensions of Islam). الجزيرة، فرانكفورت 1995، (الطبعة الألمانية بواسطة Diederichs، كولونيا 1985).
-          ترجمة وتحرير: الحلاج: "أيها الناس، أنقذوني من الله" (أبو المغيث الحسين بن منصور الحلاج). هيردر، فريبورج/ بازل/ فيينا عام 1985. (طبع هيردر، فريبورج / بازل / فيينا عام 1995).
-          جلال الدين الرومي: أنا الريح وأنت النار. سيرة الصوفي ونتاجه. كولونيا 1978 (طبع: Diederichs، كولن عام 2003)
-          الإسلام في شبه القارة الهندية. بريل، ليدن 1980.
-          ... وأن محمدا رسول الله. تبجيل النبي في التدين الإسلامي. Diederichs، دوسلدورف 1981.
-          تحرير: القِطّ الشرقي. Diederichs، كولن 1983). (ط 3. هيردر، فريبورج/ بازل/ فيينا 1996).
-          تحرير: مقدمة وملاحظات في القرآن. (مكتبة Reclam العالمية. رقم. 4206). (العنوان الأصلي: ترجمة القرآن من العربية لماكس هينينج). Reclam، شتوتغارت 1990.
-          دين الإسلام: مدخل. (مكتبة Reclam العالمي، رقم 18659 كتاب Reclam للخيال). ط 11Reclam .، شتوتغارت. (الطبعة الأولى بعنوان الإسلام، 1990).
-          جبال، صحارٍ، مقدسات. رحلاتي إلى باكستان والهند. dtv، ميونخ 1994.
-          منامات الخليفة. المنامات وتفسيرها في الثقافة الإسلامية. بيك، ميونخ 1998.
-          الغناء والانتشاء. النصوص الصوفية من الإسلام في الهند. Kösel، ميونيخ 1999.
-          في إمبراطورية المغول العظيم. التاريخ والفن والثقافة. بيك، ميونخ 2000.
-          الجنة الصغيرة. الأزهار والحدائق في الإسلام. هيردر، فرايبورغ، 2001.
-          السنة الهجرية. الأزمنة والأعياد. (سلسلة بيك). ط3. بيك، ميونخ 2011. (الطبعة الأولى 2001)
-          الشرق والغرب. حياتي الغربية الشرقية. سيرة ذاتية. بيك، ميونخ 2002. (ترجمها إلى العربية د. عبد السلام حيدر ونشرها في المشروع القومى للترجمة بالقاهرة تحت عنوان "شرق وغرب: حياتى الغرب - شرقية" (2004) التي تضمنت عرضا لتنوع جهودها العلمية ولرحلاتها (إلى المؤتمرات والمحاضرات) عبر أوروبا وأميركا الشمالية وأندونيسيا والباكستان وتركيا والهند وإيران وأفغانستان والدول العربية ودول وسط آسيا،،، من الويكيبيديا).
وقد ترجمت بعض كتبها الأخرى أيضا إلى العربية مثل:
-          الأبعاد الصوفية في الإسلام، وتاريخ التصوف. ترجمة: محمد إسماعيل السيد ورضا حامد قطب، دار الجمل.
https://docs.google.com/file/d/0B5ouQ_Ym2-loSG9LUEllcG1maUE/edit
-          أناماري شيمل، نموذج مشرق للاستشراق، ترجمة وتعليق: ثابت عيد، تقديم د. محمد عمارة، دار الرشاد.
-          الجميل والمقدس، تحقيق وترجمة: عقيل يوسف عيدان، الدار العربية للعلوم ناشرون https://docs.google.com/file/d/0B4tdKbWs3AxXWFN2OFl6OTlrUEk/edit
          
  

الثلاثاء، 23 سبتمبر 2014

سلسلة المستشرقين ٥-ألفرد فلكس لاندون بستون

سلسلة المستشرقين
٥-ألفرد فلكس لاندون بستون
مستشرق بريطاني ولد عام ١٩١١ في بارنس وتوفي سنة ١٩٩٥. اشتهر من خلال دراساته في اللغة العربية وأدبها وكذلك بحوثه في فقه اللغة العربية الجنوبية القديمة. ولد بستون في بارنس بجنوب غرب لندن، والتحق بمدرسة وستمينستر. افتتن وهو في الرابعة عشرة من عمره بالنقوش العربية الجنوبية القديمة المعروضة في المتحف البريطاني، فاشتغل لأجل ذلك وهو طالب في المدرسة باللغة العربية. قصد كنيسة المسيح بجامعة أكسفورد بداية من ١٩٢٩، وحصل على أول جائزة في العربية والفارسية. عمل في مكتبة بودلي بجامعة أكسفورد عام ١٩٣٥ في أثناء تحضيره للدكتوراه حول عدة نقوش سبئية، وأنهى أطروحة الدكتوراه عام ١٩٣٧.
عمل في استخبارات الجيش البريطاني في فلسطين من نوفمبر ١٩٤٠ حتى أبريل ١٩٤٦. ونال درجة الأستاذية في العربية بجامعة أكسفورد، وظل في الجامعة حتى تقاعد سنة ١٩٧٩.
عرف عن بستون بشكل خاص اهتمامه بفقه اللغات السامية نظرا لطبيعة دراساته وأعماله في إطار العربية الجنوبية القديمة. وقد نشر في ذلك عملين نحويين وعدة مقالات ومجلدات أخرى. ونشر أيضا في مجال العربية عدة كتب مهمة، وبجانب ذلك عمل بالاشتراك على فهرسة مخطوطات شرقية في مكتبة بودلي. وإلى جانب إتقانه للغات شرقية قديمة ومعاصرة يتقن بستون أيضا عدة لغات أوربية أخرى كالويلزية والمجرية، كما يجيد الصينية أيضا.
اختارته الأكاديمية البريطانية عضوا فيها عام ١٩٦٥.

سلسلة المستشرقين ٤- رونالد جوزيف كالندر برودهورست

سلسلة المستشرقين
٤- رونالد جوزيف كالندر برودهورست
ولد في مدينة سيدكاب بإنجلترا ١٩٠٦ وتوفي ١٩٧٦، كان عميدا في الجيش البريطاني، وقد صنع لنفسه اسما في ترجمة الأدب العربي. إذ ترجم إلى الإنجليزية رحلة ابن جبير، ومذكرات ملك الأردن عبد الله بن الحسين الأول، وتاريخ السلاطين الأيوبيين في مصر للمقريزي.
- عبد الله بن الحسين الأول: مذكرات الملك عبدالله، لندن ١٩٥٠.
- رحلة ابن جبير، لندن ١٩٥٢٠
- المقريزي: تاريخ السلاطين الأيوبيين في مصر، بوسطن ١٩٨٠.

السبت، 13 سبتمبر 2014

تأصيل لفظ "Orange" في اللغة الألمانية ترجمة مقال Orange من كتاب "من الجبر إلى السكر-الكلمات العربية في اللغة الألمانية"

تاريخ النشر : 21 سبتمبر 2014
جريدة الزمن

هناك نوعان من فاكهة الـ Orange في ألمانيا من ضمن الحمضيات التي أصلها جنوب آسيا: البرتقال (die süße Apfelsine)، وبشكل أندر النارنج (Pomeranze أو die Bitterorange). وسنبدأ بما يتعلق بالنوع الثاني. استُمد اسمه من اللغة الهندية القديمة. فقد سجلت كلمة "نارنجه، naranga"  هناك في القرن الأول الميلادي بمعنى شجرة النارنج "Bitterorangenbaum"، وتعود هذه الكلمة على الأرجح إلى الكلمة الأقدم في اللغة الدرافيدية التي تظهر مثلا في اللغة التاميلية بصيغة "ناراتاي narattai، نارام naram".
ذكر المسعودي (ت. 956) أن شجرة النارنج الهندية دخلت إلى العالم العربي بداية القرن 10 عن طريق البحر عبر عمان. ولكن الكلمة العربية نارنج narang التي يراد بها الثمر وصلت إلى العربية على الأرجح عن طريق الكلمة الفارسية narang. وقد سُجّلت بداية في شعر الأمير البغدادي ابن المعتز (ت. 908) الذي شبه النارنج بخدود العذارى أو بكرة صولجان ذهبية:

وَأَشجارُ نارَنجٍ كَأَنَّ ثِمارَها **  حِقاقُ عَقيقٍ قَد مُلِئنَ مِنَ الدُرِّ
مَطالِعُها بَينَ الغُصونِ كَأَنَّها ** خُدودُ عَذارى في مَلاحِفِها الخُضرِ
أَتَت كُلَّ مُشتاقٍ بَريّا حَبيبِهِ **  فَهاجَت لَهُ الأَحزانَ مِن حَيثُ لا يَدري

وَكَأَنَّما النارَنجُ في أَغصانِهِ ** مِن خالِصِ الذَهَبِ الَّذي لَم يُخلَطِ
كُرَةٌ رَماها الصَولَجانُ إِلى الهَوا ** فَتَعَلَّقَت في جَوِّهِ لَم تَسقُطِ

وبعد ذلك بوقت قصير انتشرت زراعة النارنج في منطقة حوض البحر المتوسط التي كانت تحت النفوذ الإسلامي. ومزارع النارنج بالقرب من جامع قرطبة والتي يمكن مشاهدتها إلى اليوم يفترض أنها وجدت نهاية القرن 10. إذ قُيّد حضور النارنج في صقلية منتصف القرن 12 في شعر عبد الرحمن الأطرابنشي الذي عاش في بلاط الملك النورماندي روجر الثاني في بلرم عاصمة صقلية. ففي إحدى قصائده عن الحديقة الرائعة المعروفة بالفوارة يقول:

وكأنّ نارَنجَ الجزيرةِ إذ زها ** نارٌ على قُضُبِ الزَّبَرجدِ تُضرَمُ
وكأنّما الليمونُ صُفرةُ عاشقٍ ** قد بات مِن ألمِ النّوى يتألمُ
لقد كان النارنج في المقام الأول شجرة تستزرع في حدائق الأثرياء لغرض الزينة وكذلك لرائحة أزهارها الزكية. ولكن استعملت ثمرتها أيضا في الوجبات بدلا من الليمون ولكن بشكل أقل، وتستعمل كذلك شرابا، كما يستخدم عصيرها أيضا في مختلف الأطباق وفي إعداد المشروبات.
عرف غرب أوروبا شجرة النارنج وثمرتها في قرطبة وإسبانيا وفي الحروب الصليبية في فلسطين.وليس واضحا جدا كيف انتشر الاسم. ولكن البداية كانت من صقلية، إذ ظهرت في أواخر 1170 بصيغة arangia في اللاتينية الوسطى، وسجلت في اللغة الإيطالية arancio اسما للشجرة بداية القرن 14. وبالمقارنة مع صيغ في لهجات إيطاليا العليا التي كانت موجودة آنذاك كـ naranza في اللهجة البندقية، يظهر أن النون n في بداية الكلمة قد التبست بأداة التنكير في اللغة الإيطالية فسقطت (un narancio فصارت un arancio). ولأسباب جغرافية يمكن الافتراض أن الاسم وصل إلى اللغة الفرنسية (orenge 1393) عبر اللغة البروفينسالية (arange في أفينيون 1373). على الرغم من أنه قد سجل لفظ pume orange في 1200 في اللهجة النورمانية الفرنسية بإنجلترا، وpomme d'orenge (1314) في الفرنسية هي على الأرجح ترجمة من الكلمة الإيطالية melarancia. ولكن اللافت للنظر البادئة o- في الفرنسية. فربما تكون ناشئة من اسم المدينة Orange (Orenge في الفرنسية القديمة) في جنوب فرنسا، التي عن طريقها استُورِدت الثمرة. أو ربما لعبت الكلمة الفرنسيةor  (وتعني الذهب) دورا في ذلك، كل ذلك غير مؤكد. ولكن تأثير لون الذهب في عصر النهضة والعصر الباروكي كان واضحا، فقد قصد بالتفاح الذهبي في حديقة هيسبرديس في الأسطورة الإغريقية النارنج والبرتقال الحلو لاحقا. ويعرف في علم النبات بـ Citrus aurantium (باللاتينية الحديثة)، واللفظ متضمن كلمة aurum (الذهب باللاتينية). وجد الاسم في اللغة الألمانية منتصف القرن 14 في مجال علم التاريخ الطبيعي بصيغة مقترضة من اللغة الإيطالية arans، وسجلت تسمية pomerantz(e) ومثيلاتهاpomerancius]  (من اللاتينية الوسطى) وغيرها، pomarancia (من الإيطالية)[، واستقر اللفظ  في اللغة الألمانية الفصحى الحديثة في نهاية المطاف على Pomeranze، ولم تنتشر الثمرة في ألمانيا ذلك الانتشار، فقد وصلت مثلما وصل الليمون كشيء ترفي باهظ الثمن من إيطاليا أو إسبانيا نحو الشمال.
وقد ظهر وضع جديد في القرن 16 عبر الاكتشافات و الحملات البرتغالية إلى آسيا. ولكن في البدء كان على الأرجح من الهند حيث ذُكر من قبل الرحالة العربي ابن بطوطة في القرن 14، ثم استورد البرتغاليون نبات وثمرة البرتقال من جنوب الصين، وبهم سُمّيت في إيطاليا Portogallo، ومن هناك إلى الإمبراطورية العثمانية portuqal (بالعربية)، portakal (بالتركية)، portokali (بالهولندية). ومالت التسمية في المقابل في غرب ووسط أوروبا أكثر إلى البلد الأصل للنبات، إذ يُسمى في اللاتينيةCitrus sinensis، و China orange (بالإنجليزية)، وappelsien، sinasappel (بالهولندية). ولكن الثمرة وصلت في الأغلب عبر أمستردام إلى المواني الشمالية الألمانية مثل هامبورج، وهناك سميت Appelsina (بالألمانية السكسونية الدنيا). فرضت الصيغة في اللغة الألمانية الفصحى Apfelsine نفسها في شمال ألمانيا. وفي المقابل أخذ اللفظ Orange في جنوب ألمانيا من الفرنسية حوالي سنة 1700 في إطار موضة استنبات النارنج. الذي التبس آنذاك أيضا بالبرتقال (Süßorange). بعد ذلك أصبح الـبرتقال Apfelsine في المقام الأول فاكهة تُتَناوَل بعد الوجبة الرئيسة، وبدايةً من منتصف القرن 20 تقريبا عُرف على أنه مادة مهمة غنية بالفيتامين. وفي المقابل اكتسب النارنج Pomeranze أهمية بدايةً من عصر النهضة عن طريق زراعته في الحدائق. وتأثرا بالنموذج الإيطالي في البستنة الذي ربما أخذ من الطريقة العربية في صقلية، أصبح تزيين الممرات في حدائق الأمراء بالنارنج عادة في ألمانيا منذ القرن 16، وقد كان النبات يُحفظ غالبا في دلاء بسبب مناخ ألمانيا البارد، وفي الشتاء توضع في بيوت استنبات مغطاة، أطلق عليها pomeran(t)zenhaus، وسُميت أيضا بداية القرن 18 بـ Orangerie (تأثرا بـ orangerie الفرنسية 1605)، وبنيت في قلعة وحدائق الباروك. إلا أن زمن بيوت استنبات النارنج ولّى نهاية القرن 18، إذ كان الاهتمام بالمزارع الطبيعة فقط التي كانت تنمو فيها الحمضيات: ميجنون في رواية جوته (فيلهلم مايستر) (1782/96) تمنت أن تهاجر إلى بلاد "حيث يزهر فيها الليمون/ ويبرق النارنج الذهبي في ورق الشجر الأخضر الداكن"، والشخصية التافهة Taugenichts في رواية أيشندورف (1826) أرادت أن تسافر "إلى إيطاليا، حيث ينمو النارنج". ولكن المعنى الثاني استعمل هنا استعمالا ساخرا بعض الشيء؛ لأن النارنج (Pomeranze) أصبح تدريجيا في طي النسيان ولا سيما في ألمانيا، ويعرف الاسم اليوم فقط لمعنى الاستهزاء واللمز بالتخلف لفتاة محمرة الخدين من الريف. ويبدو أنه مقترض من اللغة الطلابية من القرن 19.
وهناك استعمالات أخرى للاسم Pomeranze تعرف قليلا: ففي القرن 17 و18 استعمل ماء زهر النارنج لتزكية مذاق الطعام، مثلما كان عند العرب، فقد كان يستخلص من زهر النارنج زيت ويضاف مع زيوت الحمضيات الأخرى لينتج أساس ماء الكولونيا، الذي صنعه الإيطالي باول فيمينيس أول الأمر تقريبا بداية من 1700، ثم جيوفاني ماريا فاينا في كولن بألمانيا، وتمتع بشهرة كبيرة بعد ذلك. وتُسمى قشرة النارنج Orangeat (من الفرنسية orangeat، 1398، في البداية على الأرجح نوع من الفاكهة المفرومة أو المهروسة)، وبداية من القرن 17 صنع من النارنج (بالإنجليزية Seville orange ، النارنج الإشبيلي) المستورد من جنوب إسبانيا المُربّى الإنجليزي (die englische Orangenmarmelade)، ومن استعمالات الاسم أيضا زيت النارنج الأثيري المستخلص 
من أنواع النارنج والذي يعد عنصرا مكونا لمختلف الخمور مثل الكوراكاو أو الكوانترو.

الصفة "برتقالي"، التي اشتقت من لون الثمرة والتي وجدت في اللغة الألمانية منذ بداية القرن 17 orange (من الفرنسية. orange 1553)، عُرِف لها في هولندا وبريطانيا استعمال غريب. ففي لغتي كلا البلدين تتشابه الصفة في النطق تقريبا مع اسم العائلة المالكة الأورانيين، (Orange بالإنجليزية، Oranje بالهولندية). يعود هذا الاسم إلى مدينة Orange في جنوب فرنسا، وتسميتها تعود في الأرجح إلى أصول كلتية، وقد كانت تدعى لدى الرومان أراوسيو (Arausio)، وفي العصور الوسطى Orenga، ثم Orenge. واتُخذت المدينة بداية من القرن 12 مركزا لإمارة صغيرة، التي خَلَفَها (1530/44) البيت الناساوي Haus Nassau، وتسّمى بعد ذلك باسم هذه الإمارة (Oranien في الألمانية الحديثة). كان اثنان من المنتمين إلى هذا البيت، والذي تحول إلى المذهب البروتستانتي، ملكا لإنجلترا "فيلهلم الثالث 1688" والآخر ملكا لهولندا "فيلهلم الأول 1815". ومن المؤكد نتيجة لهذه الحقيقة أن يظهر، من جهة، المنتخب الهولندي وأنصاره اليوم باللون البرتقالي، ومن جهة أخرى، أن يحمل أعضاء جمعية orangemen، التي أسست بعد المعركة مع الكاثوليك عام 1795 في أيرلندا الشمالية، في مسيراتهم السنوية شارات برتقالية، بسبب الاشتراك الاسمي بين الصفة واسم العائلة المالكة.

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

سلسلة المستشرقين 3- توماس باور


توماس يورجن باور باحث ألماني يعنى بعلوم اللغة العربية والعلوم الإسلامية، ولد في 27 من سبتمبر عام 1961 بمدينة نورنبرج. أنهى الثانوية العامة عام 1980 ثم درس العلوم الإسلامية وفقه اللغات السامية واللسانيات إرلانجن نورنبرج (1980-1987). كانت أطروحته في الدكتوراه عن الشعر العربي القديم (1989). ثم عمل بعد ذلك أستاذا مساعدا بجامعة هايدل برج لسنة واحدة، ثم رجع مرة أخرى إلى جامعة إرلانجن نورنبرج (1991-2000)، حيث تأهل إلى درجة الأستاذية ببحثه عن "الحب وشعر الحب في العالم العربي في القرن التاسع والعاشر".
في عام 2000 استجاب توماس باور لدعوة من جامعة مونستر ليكون أستاذ العلوم الإسلامية والعربية. وفي العام نفسه أصبح مديرا لمعهد اللغة العربية والعلوم الإسلامية. وكان مديرا لمركز الدراسات الدينية بجامعة مونستر (2002-2005). وفي العام الأكاديمي 2006/2007 أصبح باور عضوا في معهد برلين للدراسات المتقدمة في مشروع "ثقافة المجهول".
قُبل عام 2012 في أكاديمية نوردهاين-فيستفالن للعلوم والفنون. وحصل في العام نفسه على جائزة جوتفريد فيلهيلم لايبنتز.
مختارات من أعماله:
نشر توماس باور أكثر من 40 عملا في المجلات العلمية. وكان صلب أعماله في مجال الدراسات التاريخية واللغوية:
-          كتاب النبات لأبي حنيفة الدينوري. Harrassowitz ، Wiesbaden 1988.
-          الشعر العربي القديم. Harrassowitz ، Wiesbaden 1989.
-          الحب وشعر الحب في العالم العربي في القرن التاسع والعاشر. Harrassowitz ، Wiesbaden 1998.
-          الحياة اليومية والثقافة المادية في اللغة العربية وأدبها. Harrassowitz ، Wiesbaden 2005.
-          الغزال من منظور الأدب العالمي (بالاشتراك مع أنجليكا نويفرت). Ergon ، Würzburg. الجزء 1: تحولات في الجنس الأدبي. 2005. الجزء 2: من جنس أدبي إلى تقليد عريق. 2006.
-          ثقافة المجهول. تاريخ آخر للإسلام. دار أديان العالم Verlag der Weltreligionen ، برلين، 2011.

مضمون كتاب ثقافة المجهول (die Kultur der Ambiguität) لتوماس بار:
تتميز الحضارة العربية الإسلامية قبل العصر الحديث (ق 8- 19) بتسامح مجهول كبير تجاه الغرب. يظهر ذلك في مجالات كثيرة في العلوم الإسلامية (على سبيل المثال في تفاسير القرآن، وفي الفقه وفي علم اللغة، حيث تحققت نتائج مهمة إلى اليوم وخاصة في الخطاب)، وكذلك في الأجناس الأدبية المتعددة، وفي عقلية الناس أيضا وفي الأوضاع الاجتماعية (تسامح إزاء الأقليات الدينية، وتقبل الأجانب، والحراك الاجتماعي المرتفع). ويدل على ذلك أيضا التعايش السلمي بين الخطاب الديني والعلماني في الثقافة الإسلامية المتقدمة، الذي أصبح اليوم على النقيض تماما. في ظل هذه الظروف المحددة أصاب الإسلام كثير من أزمات الغرب، ولكن هنا يكمن أحد أهم أسباب الصراع الحالي بين الإسلام والحداثة الغربية.
إن الصدام بين الإسلام وأي ثقافة أخرى لا تكاد تعرف مثل هذا التسامح المجهول وتميل إلى الرفض، يؤدي حتما إلى إعادة صياغة مبادئ الإسلام في شكل أيديولوجيات معاصرة، تتميز برفض التقليد الثقافي الخاص إلى حد كبير سواء تلك التشكيلات الليبرالية الموالية للغرب أو الأشكال المعادية له.

إن البحث في الغموض الثقافي لا يتيح الاطلاع على الثقافات الأخرى فقط وإنما يساعد أيضا على فهم الأسس الثقافية الخاصة، التي لا يمكن معرفة نسبيتها بغير المقارنة الثقافية.